للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنّما قلنا ذلك لأنّ الله تعالى خلق اللّبن في أصله لغذاء الولد لعدم احتماله سائر الأطعمة والأشربة في ابتداء حاله ليقوم هو مقام الطّعام والشّراب فلذلك اختصّ اللّبن على التّحقيق ممّن يتصوّر منه الولادة فأرضعت الكبيرة الصّغيرة حرمتا على الزّوج (١) ثمّ إن كان هذا قبل الدّخول بالكبيرة جاز له أن يتزوّج بالصّغيرة لأنها ربيبته ولم يدخل بأمّها ولا يتزوّج الكبيرة أبدًا لأنّها أم امرأته من الرضاع كذا في الإيضاح (٢) ثم إن لم يدخل الكبيرة فلا مهر لها سواء تعمّدت الفساد أو لم يتعمّد وللصّغيرة نصف المهر وقال مالك-رحمه الله- لا يجب لأنّ الفرقة جاءت من قبلها بأن صارت بنتًا للكبيرة فسقط مهرها كما سقط مهر الكبيرة بأن صارت أمّها.

ألا ترى أن مهر الكبيرة يسقط وإن قصدت الحسبة بأن خافت الهلاك على الصّغيرة فإنا نقول أن هذه الفرقة لما صارت بسبب ضمان واستقام الإضافة إلى اسم الأمية والبنتية أضفناها إلى الأمية التي في الأم لأنّها هي المخاطبة دون البنت كذا في الأسرار.

قوله: -رحمه الله- وَالِارْتِضَاعُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا مِنْهَا (٣) إلى آخره جواب سؤال مقدّر بأن يقال العلة لثبوت الفرقة هنا ارتضاع الصّغيرة دون الإلقام الذي هو فعل الكبيرة لأن الإلقام سبب والارتضاع علّه فيضاف الحكم إلى العلة لا إلى السّبب فأجاب عنه إن فعلها غير معتبر لأنّها صغيرة.

ألا ترى أن الصّغيرة لو قبلت بورثها لا تحرم عن الميراث وذكر الإمام التمرتاشي - رحمه الله-.

ولا يقال لولا اختصاصها ما جاءت الفرقة قيل له هي مجبورة على ذلك بحكم الطّبع والكبيرة في إلقام الثّدي في فمها مختارة فأضيف الفساد إليها كمن ألقى حيّه على إنسان فلدغته أن الضّمان على الملقى لأنّ اللّدغ لها طبع حتّى أنّ الصّغيره لو جاءت إلى الكبيرة وهي نائمة فارتضعت بانتا ولكل واحدة نصف المهر ولا يرجع الزوج على أحد.

قوله: -رحمه الله- لَكِنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا (٤).

فإن قيل: يشكل هذا بصغيرة مسلمة تحت مسلم ارتد ابواها ولحقا بها بدار الحرب بانت من زوجها ولا يقضى لها بشيء من المهر ولم يوجد الفعل منها قيل له الردّة محظورة لا إباحة لها بحال من الأحوال وأنّها تعني قام بها حكمًا بخلاف الارتضاع لأنّه لا خاطر له.


(١) يُنْظَر: بداية المبتدي (١/ ٦٧).
(٢) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٣/ ١٨٣).
(٣) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٢/ ٥٢٨).
(٤) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٢/ ٥٢٨).