للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: (لما بيّنا) إشارة إلى قوله: (لأن يمكنه من قبضه) (١) يدلّ على سبق شرائه معناه من واحد، وإنّما احترز به من أن يكون من اثنين فإنّهما سواء فيه ولا أولوية للشراء على الهبة حينئذ على ما يجيء بعد هذا في قوله: (ولو ادّعى أحدهم الشِّراءَ من رجلٍ والآخر الهبةَ والقبضَ من غيره) إلى أن قال: (قضى بينهم أرباعاً) (٢)؛ لأن الشراء أقوى لكونه معاوضة من الجانبين، ولأنه يثبت الملك بنفسه والملك في الهبة يتوقف على القبض.

فإن قلت: هاتان النكتتان ثابتتان فيما إذا ادّعيا الشراء والهبة من اثنين ومع ذلك لم يجعل الشراء أقوى من الهبة في ذلك على ما ذكرت مع أنّ ضعف الهبة من الشراء في الوجه الذي ذكر لا يختلف في أن يكون دعواهما سبب الملك من واحد أو من اثنين.

قلت: نعم كذلك لا نختلف ولكن المدّعيين يستويان فيما إذا كان الملك اثنين لمعنى آخر وهو أنهما إذا ادّعيا الشراء والهبة من واحد لا يحتاجان إلى إثبات الملك لمن ملّكهُما فإنه ثابت بتصادقهما وإنّما الحاجة إلى إثبات سبب الملك عليه وفي إثبات سبب الملك لنفسهما الشراء أقوى من الهبة لأنّه عقد ضمان يوجب الملك في العوضين والهبة تبرّع؛ ولأن سبق ثبوت الملك بالشراء على ثبوت الملك في الهبة إنما يتصور فيما إذا كان الملكُ واحدًا لما أن الشراء موجب للملك بنفسه والهبة لا توجب الملك إلا بعد القبض فكان ملك مدّعي الشراء سابقاً فكان [هو] (٣) أولى.

وأمّا إذا ادّعيا الشراء والهبة من اثنين فهما محتاجان إلى إثبات الملك لمن ملّكهما وينتصب كل واحد منهما خصمًا عمن مَلّكَه في إثبات الملك له أولاً ثُمَّ لنفسه والحجتان في إثبات الملك لهما سواء فيقضي به بينهما لذلك كذا ذكر في المَبْسُوط (٤) ثُمَّ قال فإن قيل إنما وضع المسألة في الدار فكيف يجوز القضاء بالهبة في جزء منها مشاعًا.

قلنا: قد قيل هذه المسألة موضوعة في الدابة [وإن] (٥) كانت في الدار فكلّ واحد منهما أثبت سبب استحقاقه في الكلّ/ إلا أنه لأجل المزاحمة يسلم له البعض وهذه المزاحمة بعد القبض فكان شيوعًا طارئًا وذلك لا يبطل الهبة والصدقة (لما بيّنا) أي: من المعنيين في أنّ الشراء أقوى من الهبة وكذلك هو أقوى من الصدقة أيضاً (ولا ترجيح باللزوم) أي: لا ترجيح للصّدقة على الهبة بسبب أنّ الصّدقة [قد] (٦) تقع لازمة حيث لا يصح الرجوع فيها بخلاف الهبة وهذا جواب إشكال ذكره في المَبْسُوط (٧) يعني فينبغي أن يرجح الصدقة على الهبة بسبب أن الصدقة تقع لازمة أينما وقعت فأجاب عنه بهذا وقال: (ولا ترجيح) للصدقة (باللزوم لأنِّه) أي: لأنّ اللزوم (يرجع إلى المَآل) (٨) أي: أن أثره إنما يظهر في ثاني الحال؛ لأنّ اللزوم عبارة عن عدم صحة الرجوع في المستقبل فكان ظهور أثره في ثاني الحال؛ ولأن امتناع الرجوع لحصول المقصود بها وهو الثواب لا لقوة السبب ولو حصل المقصود بالهبة وهو صلة الرحم لم يرجع فيها أيضاً؛ (لأنّ الشيوعَ طارئٌ) وهو لا يمنع صحة الهبة كما لو استحق نصف الموهوب بعد القبض (وعند البعض لا يصحّ؛ لأنّه تنفيذ الهبة في الشائع) (٩) جعل هذا القول أصحّ في المَبْسُوط (١٠).


(١) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٦٩).
(٢) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٦٩).
(٣) [ساقط] من (أ) و (ج).
(٤) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ١١٠).
(٥) (ولئن) في (ب).
(٦) [ساقط] من (ب).
(٧) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ١١٠).
(٨) يعني: (وتقريره أن الترجيح باللزوم ترجيح بما يرجع إلى المآل: أي بما يظهر أثره في ثاني الحال، إذ اللزوم عبارة عن عدم صحة الرجوع في المستقبل ولا ترجيح بما يرجع إلى المآل). يُنْظَر: العناية شرح الهداية (٨/ ٢٥٥).
(٩) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٧٠).
(١٠) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ١١٧).