للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ إنّما قلنا: أن ذا اليد لو أقام بينة على دعوى النِّتاج بعدما قضى للخارج يقبل ببينته لأن الخارج ببينته لم يستحق على ذي اليد شيئاً فلم يصر ذو اليد مقضيًّا عليه فيسمع ببينته كما يسمع بينة أجنبي آخر وفي دعوى الملك المطلق [لوتفرد الخارج بإقامة البينة وقضى له ثُمَّ أقام صاحب اليد بينة أنّه [له] (١) لا تسمع بينته لأن الخارج استحق ببينته على ذي اليد الملك الثابت له بظاهر يده فصار ذو اليد مقضيًا عليه فلا يسمع بينته] (٢) بعد ذلك بخلاف النِّتاج فإن ذا اليد لما ادّعى النِّتاج وأقام على ذلك بينة/ وترجّحت بينته باليد يسمع بينته سواء كان ذلك قبل القضاء للخارج أو بعده فتندفع ببينته بينة الخارج سواء ادّعى الخارج النِّتاج أو الملك المطلق.

وأمّا قوله: (أن بينة الخارج أكثر استحقاقاً) (٣) قلنا: نعم كذلك إلا أنّ في بينة ذي اليد سبق التاريخ لأنّها تثبت أولية الملك على وجه لا يحتمل التملك من جهة الغير فكان أولى ألا ترَى أنهما لو ادّعيا ملكًا مطلقاً وأرّخا وذو اليد أسبقهما تاريخًا يقضي لذي اليد وإن كان في بينة الخارج زيادة استحقاق على ذي اليد إلى هذا أشار في المَبْسُوط (٤) والذَّخِيرَةِ (٥).

فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا ادّعى ذو اليد النِّتاج وادّعى الخارج أنّه ملكه غصبه منه ذو اليد كانت بينة الخارج أولى وكذا إذا ادّعى ذو اليد النِّتاج وادّعى الخارج أنّه ملكه آجره أو أودعه منه أو أعاره منه كانت بينة الخارج أولى.

قلت: قال شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رحمه الله- (٦): الحاصل أنّ بينة ذي اليد [إنّما يترجّح على بينة الخارج] (٧) على النِّتاج أو ادّعى الخارج الملك المطلق إذا لم يدع الخارج فعلاً على ذي اليد نحو الغصب أو الوديعة أو الإجارة أو الرهن أو ما أشبه ذلك أما إذا ادّعى الخارج فعلاً مع ذلك فبينة الخارج أولى، وأشار مُحَمَّد -رحمه الله- إلى المعنى فقال:؛ لأنّ بينة الخارج في هذه الصورة أكثر إثباتاً (٨)؛ لأنّها تثبت الفعل على ذي اليد وهو الغصب والاستيجار وما أشبه ذلك وأنّه ليس بثابت أصلاً وذو اليد ادّعى أولية الملك واليد إن كانت لا تدل على أوليّة الملك تدل على أصل الملك فكان ما ادّعاه ذو اليد ثابتًا من وجه بظاهر يده وما ادّعاه الخارج من الغصب والإعارة وغير ذلك غير ثابت أصلاً فكانت بينته أكثر إثباتاً فكانت أولى بالقبول كذا في الذَّخِيرَةِ (٩)، وهذا هو الصحيح خلافاً لما يقوله عيسى ابن أبان -رحمه الله-: أنه تهاتر البينتان ويترك في يده (١٠) فوجه قوله: أن القاضي تيقن بكذب أحدهما إذ لا تصوّر لنتاج دابة من [دابتين] (١١) وفي مثل هذا بتهاتر البينتان كما في مسألة كوفة ومكة على ما ذكرنا في أوّل هذا الباب لكنا نقول الصحيح أنه يترك في يد صاحب اليد على وجه القضاء فوجه الصحة هو أنّ مُحَمَّدا-رحمه الله- ذكر في خارجين أقام كل واحد منهما بينة على النِّتاج أنه يقضي [به] (١٢) بينهما نصفين (١٣) ولو كان الطريق ما قاله لكان يترك في يد ذي اليد وكذلك قال ولو كانت الشاة المذبوحة في يد أحدهما وسواقطها في يد آخر وأقام كل واحد منهما البينة على النِّتاج فيها يقضي بها وبالسواقط لمن في يده أصل الشاة ولو كان الطريق تهاتر البينتين لكان يترك في يد كل واحد منهما ما في يده ولا معنى لقوله: (١٤) أن القاضي تيقن بكذب أحدهما؛ لأنّ الشهادة على النِّتاج ليست بمعاينة الانفصال من الأم بل برؤية الفصيل (١٥) يتبع الناقة وكل واحد من الفريقين اعتمد سبباً ظاهراً لأداء الشهادة فيجب العمل بها ولا يُصار إلى التهاتر بمنزلة شهادة الفريقين على الملكين حيث [لا] (١٦) تتهاتر البينتان مع أنّ العين الواحد لا يتصوّر أن تكون مملوكًا لشخصين في زمان واحد لكل واحد منهما بكماله ولكن لما وجد القاضي بشهادة كل واحد من الفريقين محملاً يطلق له أداء الشهادة بأن عاين أحد الفريقين أحد الخصمين باشر سبب الملك وعاين الفريق الآخر يتصرف فيه تصرف الملاك قبل شهادة الفريقين كذا هنا وعن هذا خرج الجواب عن مسألة مكة وكوفة لأنّ القاضي تيقن أن أحدهما كاذب لأنّ الشخص الواحد في يوم واحد لا يكون في مثل ذلك المكانين على ما عليه العادة ولم يجد لشهادتها مَحملاً يطلق له أداء الشهادة؛ لأنّ المطلق للشهادة بالطلاق والعتاق معاينة الشهود إيقاع الطلاق والعتاق ولا يتصوّر سماع الفريقين إيقاع الطلاق والعتاق في يوم واحد من شخص واحد بكوفة ومكة لما ذكرنا فتهاترت البينتان كذلك، أما هنا فبخلافه.


(١) [ساقط] من (أ) و (ج).
(٢) [ساقط] من (ج).
(٣) يُنْظَر: الهداية شرح البداية (٣/ ١٥٧).
(٤) يُنْظَر: المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ٣٣).
(٥) يُنْظَر: المحيط البرهاني (٩/ ٧٦٠).
(٦) يُنْظَر: حاشية ابن عابدين (٨/ ٣٠).
(٧) [ساقط] من (ج).
(٨) يُنْظَر: المحيط البرهاني (١٠/ ١٢٦).
(٩) يُنْظَر: المحيط البرهاني (١٠/ ١٣٢).
(١٠) يُنْظَر: بدائع الصنائع؛ للكاساني (٦/ ٣٧٢).
(١١) (اثنين) في (أ) المبسوط؛ للسرخسي (١٧/ ١٢٠).
(١٢) [ساقط] من (أ).
(١٣) يُنْظَر: تبيين الحقائق؛ للزيلعي (٤/ ٣٢١).
(١٤) يشير رحمه الله الى قول عيسى بن ابان رحمه الله.
يُنْظَر: المحيط البرهاني (١٠/ ١٢٨).
(١٥) الفَصِيلُ: ولد الناقة لأنه يفصل عن أمه فهو فعيل بمعنى مفعول والجمع "فِصلاْنٌ" بضم الفاء وكسرها وقد يجمع على "فِصَال" بالكسر. يُنْظَر: المصباح المنير (١/ ٢٤٦).
(١٦) [ساقط] من (ج).