للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال مالك (١): المستحاضة لا تتوضأ (٢)؛ لأن مايناقض الوضوء يقارنه فلافائدة في الاشتغال به.

وقال بعض الناس (٣): بأنها تغتسل لكل صلاة.

وكان إبراهيم النخعي -رحمه الله- يقول: تغتسل في آخر وقت الظهر فتصلي الظهر في آخر الوقت والعصر في أول الوقت بغسل واحد، ثم تغتسل في آخر وقت المغرب فتصلي المغرب في آخر الوقت والعشاء في أول الوقت بغسلٍ واحد، وكذلك في العشاء مع الفجر.

(وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -رحِمَهُ الله-: تَتَوَضَّأُ الْمُسْتَحَاضَةُ لِكُلِّ مَكْتُوبَةٍ لِقَوْلِهِ -عَلَيْه الصَّلاة والسَّلام-: «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ» وَلأنَّ اعْتِبَارَ طَهَارَتِهَا ضَرُورَةُ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ فَلا تَبْقَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا. وَلَنَا قَوْلُهُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلاةٍ» وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ لأنَّ اللامَ تُسْتَعَارُ لِلْوَقْتِ، يُقَالُ آتِيك لِصَلاةِ الظُّهْرِ: أَيْ وَقْتِهَا وَلأنَّ الْوَقْتَ أُقِيمَ مَقَامَ الْأَدَاءِ تَيْسِيرًا فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ)

وهذا الاختلاف بيننا وبين الشافعي في المستحاضة ومن به سلس البول واستطلاق البطن وانفلات الريح من الدبر، فأما في حق صاحب الجرح السائل والرعاف الدائم فالخلاف بيننا وبينه بوجه آخر: [لما] (٤) أنه لا يرى الخارج من غير السبيلين حدثًا.

-قوله: (فلا يبقى بعد الفراغ منها) أي: لا يبقى للمكتوبة. وأما تبقي طهارتها للنوافل عنده أيضًا لأن حاجتها لم ترتفع في حق النوافل؛ لأنها خير موضوع في كل وقت، ونظير هذا ما قال أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله فيمن حضرته جنازة وهو محال لو اشتغل بالوضوء تفوته صلاة الجنازة فإنه يتيمم ويصلي، فإن صلى وليس له جنازة أخرى انتقض تيممه، وإن كان هناك جنازة أخرى لم ينتقض تيممه [فثبت] (٥) بهذا أن وجود الماء عمل عند عدم الضرورة ولم يعمل عند الضرورة، كذا ذكره الإمام المحبوبي؛ لأن اللام تستعار للوقت يقال: آتيك لصلاة الظهر أي: وقتها، أو لأن الصلاة تذكر ويراد بها الوقت.


(١) مذهب المالكية: أن المستحاضة حكمها حكم الطاهرة إلى أن يتغير الدم إلى صفة الحيض، وذلك إذا مضى لاستحاضتها من الأيام ما هو أكثر من أقل أيام الطهر، فحينئذ تكون حائضًا. انظر: بداية المجتهد (١/ ٦٠)، المدونة (١/ ١٢٠)، التلقين في الفقه المالكي (١/ ١٢٥)، الكافي في فقه أهل المدينة (١/ ١٨٦)، البيان والتحصيل (١/ ١٥١)، الذخيرة للقرافي (١/ ٣٩١).
(٢) أي: لا تتوضأ لكل صلاة.
(٣) لعله أراد بهم الحنابلة لأنه ذكر المذاهب الأخرى.
(٤) ساقطة من (ب).
(٥) في (ب): «فدل».