للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قلت: ما جوابنا عما تمسك به الشافعي -رحمه الله (١) - من حديث ابن عمر [رضي الله عنهما] (٢) أن النبي -عليه السلام- سئل عن الضب فقال: «لم يكن من طعام قومي فأجد نفسي تعافه؛ فلا أحله ولا أحرمه» (٣)، وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال: أكل الضب على مائدة رسول الله -عليه السلام-، وفي الآكلين أبو بكر، ورسول الله -عليه السلام- كان ينظر إليه ويضحك (٤).

قلت: جوابنا عن ذلك نهي النبي -عليه السلام- عائشة -رضي الله عنها-؛ لأن بذلك النهي يتبين أن امتناع رسول الله -عليه السلام- من أكله كان لحرمته، لا لأنه كان يعافه.

ألا ترى أنه نهاها عن التصدق به، ولو لم يكن نهيه عن الأكل للحرمة لأمرها بالتصدق به، كما أمر به في شاة الأنصار بقوله: «أطعموا الأسارى» (٥).

والحديث الذي فيه دليل الإباحة محمول على أنه كان قبل ثبوت الحرمة، ثم الأصل أنه متى تعارض الدليلان، أحدهما يُوجب الحظر والآخر [يوجب] (٦) الإباحة يُغلب الموجب للحظر، كذا في «المبسوط» (٧) و «شرح الأقطع» (٨).


(١) في (ع): «رضي الله عنه».
(٢) زيادة من: (ع).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه: ٣/ ١٥٤٢، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الضب، رقم الحديث: ١٩٤٣.
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه: ٣/ ١٥٤٣، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة الضب، رقم الحديث: ١٩٤٥.
(٥) صححه الألباني في «أحكام الجنائز»: ١٤٣ - ١٤٤، وأخرجه أبو داود في سننه: ١/ ٣٧٤، كتاب البيوع، باب في أكل الربا وموكله، برقم: ٣٣٣٢. وهو حديث عاصم بن كليب، عن أبيه، عن رجل من الأنصار، قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على القبر يوصي الحافر: «أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه»، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء وجيء بالطعام فوضع يده، ثم وضع القوم، فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلوك لقمة في فمه، ثم قال: «أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها»، فأرسلت المرأة، قالت: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة، فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة، أن أرسل إلي بها بثمنها، فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أطعميه الأسارى».
(٦) زيادة من: (ع).
(٧) ينظر: المبسوط: ١١/ ٢٣١.
(٨) ينظر: ص ١٣٥.