للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يجوز أكل الحمر الأهلية، وكان بشر المريسي (١) يُبيح ذلك، وهو قول مالك (٢)، وحجتهما: ما روي عن عائشة -رضي الله عنها-[أنها] (٣) سئلت عن ذلك. فتلت قوله تعالى:/ {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية (٤)، وفي حديث الحر بن غالب (٥) -رضي الله عنه- أنه سأل رسول الله -عليه السلام- فقال: لم يبق لي من مالي إلا حميرات. فقال -عليه السلام-: «كل من سمين مالك» (٦)، واعتبر الحمار الأهلي بالوحشي، والوحشي مأكول بالاتفاق، فكذا الأهلي.

وحجتنا في ذلك: ما روي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: أصبنا يوم خيبر حمرًا أهلية فذبحناها، وإن القدر ليغلي بها فقال -عليه السلام-: «أكفئوها بما فيها» (٧)، ونهى عن أكلها فقلنا: نبينا إنما حرمها لأنها نهبة لم تخمس، فلقيت سعيد بن جبير [رضي الله عنه] (٨) فذكرت ذلك له فقال: «بل حرمها ألبتَّة» (٩). فيه تبيين أنه ما حرمها يوم خيبر لقلة الظهر؛ لأنه أمر بإكفاء القدور، وبعد ما صار لحمًا [ليس] (١٠) فيه منفعة الظهر، وما حرمها لأنها نهبة لم تخمس، فإن [ما] (١١) كان مأكولاً، فللغانمين حق التناول منه قبل الخمس، كالطعام والعلف، وروى ابن عمر [رضي الله عنهما] (١٢) أن النبي -عليه السلام- نهى يوم خيبر عن متعة النساء، وعن الحمار الأهلي، ولما بلغ عليًّا [رضي الله عنه] (١٣) فتوى ابن عباس [رضي الله عنهما] (١٤) بإباحة المتعة، فقال له: نهى رسول الله -عليه السلام- عن متعة النساء، وعن الحمر الأهلية زمن خيبر (١٥). وكذا عن أبي طلحة (١٦)، فترجحت (١٧) الآثار الموجبة للحرمة، ثم لا حجة في حديث الحر، فإن معنى قوله: «كل من سمين مالك»، أي: بعه واستنفق ثمنه؛ لأنه يقال: فلان أكل عواده. والمراد هذا.


(١) هو بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسي، العدوي بالولاء، أبو عبد الرحمن، فقيه معتزلي عارف بالفلسفة، يرمى بالزندقة، وهو رأس الطائفة المريسية القائلة بالإرجاء، وإليه نسبتها، أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف، وقال برأي الجهمية، وأوذي في دولة هارون الرشيد، وكان جده مولى لزيد بن الخطاب، وقيل: كان أبوه يهوديًا، وهو من أهل بغداد ينسب إلى درب المريس فيها، عاش نحو ٧٠ عامًا، له تصانيف. ينظر: تاريخ بغداد: ٧/ ٥٦، سير أعلام النبلاء: ١٠/ ١٩٩، لسان الميزان: ٢/ ٢٩.
(٢) الرسالة للقيرواني: ١٥٣.
(٣) زيادة من: (ع).
(٤) سورة الأنعام، من الآية: ١٤٥.
(٥) اختلف في راوي الحديث، فبعض أصحاب عبيد بن الحسن يقول: عن غالب بن أبجر، وبعضهم يقول: عن أبجر بن غالب، وبعضهم يقول: عن غالب بن ذريح، وبعضهم يقول: عن غالب بن ذيخ. ينظر: نصب الراية: ٤/ ١٩٨.
(٦) ضعيف الإسناد، أخرج الطبراني في «المعجم الكبير»: ١٨/ ٢٦٧، باب الغين، غالب بن أبجر الزني، رقم الحديث: ٦٦٩. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه: ٥/ ١٢٣، كتاب الأطعمة، باب من قال: تؤكل الحمر الأهلية، رقم الحديث: ٢٤٣٣٨. ورد بلفظ آخر: «أطعم أهلك من سمين حمرك»، وقد حكم عليه الألباني بضعف الإسناد للاضطراب. ينظر: صحيح وضعيف سنن أبي داود، برقم: ٣٨٠٩.
(٧) أخرجه البخاري في صحيحه: ٥/ ١٣٦، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، رقم الحديث: ٤٢٢١. وأخرجه مسلم في صحيحه: ٣/ ١٥٣٩، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، رقم الحديث: ١٩٣٨.
(٨) زيادة من: (ع).
(٩) ينظر: المبسوط: ١١/ ٢٣٢.
(١٠) زيادة من: (ع).
(١١) زيادة من: (ع).
(١٢) زيادة من: (ع).
(١٣) زيادة من: (ع).
(١٤) زيادة من: (ع).
(١٥) أخرجه البخاري في صحيحه: ٥/ ١٣٥، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، رقم الحديث: ٤٢١٦. وأخرجه مسلم في صحيحه: ٣/ ١٥٣٧، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، رقم الحديث: ١٤٠٧.
(١٦) صحيح، يشير إلى حديث البراء وعبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- أنهم كانوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فأصابوا حمرًا فطبخوها، فنادى منادي النبي -صلى الله عليه وسلم-: أكفئوا القدور. أخرجه البخاري في صحيحه: ١/ ١٠٦٣، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، برقم: ٤١٢٢.
وأبو طلحة هو: زيد بن سهل بن الأسود النجاري الأنصاري: صحابي، من الشجعان الرماة المعدودين في الجاهلية والإسلام. مولده في المدينة، ولما ظهر الإسلام كان من كبار أنصاره، فشهد العقبة وبدرًا وأحدًا والخندق وسائر المشاهد. وكان جهير الصوت، توفي سنة ٣٤ هـ، ينظر: الإصابة ٧/ ١٩٤، والأعلام ٣/ ٥٨.
(١٧) في (ع): «فرجح».