للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال القائل (١):

إن لنا أحمرة عجافا … يأكل كل ليلة إكافا

والمراد: ثمن الإكاف (٢).

وكذلك فيما استدلت به عائشة -رضي الله عنها- من الآية لا حجة لهم؛ لأنها استدلت بعام دخله الخصوص بالاتفاق، وقد ثبت النهي عن رسول الله -عليه السلام- في [لحمة] (٣) الحمار (٤)، فكان ذلك دليل الخصوص في هذا العام واعتبار الأهلي بالوحشي ساقط، فإنه لا مشابهة بينهما معنى، والمشابهة لا يكون دليل الحل مع أن المفارقة بينهما قد صحت بالآثار؛ لأنه صح في الأثر أن النبي -عليه السلام- أباح تناول الحمار الوحشي (٥)، فإنه روى أن أعرابيًّا أهدى إلى رسول الله -عليه السلام- حمارًا وحشيًّا عقيرًا، أو رجل حمار وحشي، فأمر أبا بكر [رضي الله عنه] أن يقسمه بين الرفاق (٦)، وقد ذكرنا نهيه عن تناول الحمار الأهلي علم بهذا أنه لا اعتبار للمشابهة الصورية شرعًا، والأكل من أعلى منافعها؛ لأن في الأكل إبقاء النفوس لا في الركوب، ولا يليق بحكمة الحكم ترك أعظم وجوه المنفعة عند إظهار المنة، وذكر ما دون ذلك.


(١) ينظر: تاج العروس: ٢٣/ ٢٧.
(٢) الإكاف: للحمار ونحوه بمنزلة السرج للفرس. والجمع: الأُكُف، وهي كساء يلقى على ظهر الدابة. ينظر: شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: ١/ ٢٩٦، التعريفات الفقهية: ص ٣٣.
(٣) ساقطة من: (ع).
(٤) سبق تخريجه، ينظر: ص ٤١٣.
(٥) صحيح، عن أبي قتادة -رضي الله عنه-: أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى إذا كان ببعض طريق مكة، تخلف مع أصحاب له محرمين، وهو غير محرم، فرأى حمارًا وحشيًا، فاستوى على فرسه، فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه، فأبوا، فسألهم رمحه فأبوا، فأخذه، ثم شد على الحمار، فقتله، فأكل منه بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبى بعض، فلما أدركوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألوه عن ذلك، قال: «إنما هي طعمة أطعمكموها الله». وعن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي قتادة: في الحمار الوحشي، مثل حديث أبي النضر قال: هل معكم من لحمه شيء؟
أخرجه البخاري في صحيحه: ١/ ٧١٩، كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في الرماح، برقم: ٢٩١٤، ومسلم في صحيحه: ١/ ٤٦٧، كتاب الحج، باب تحريم الصيد للمحرم، برقم: ١١٩٦.
(٦) صحيح، يشير إلى حديث جاء فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «نهى عام خيبر عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية»، وفيه: «هل أشار إليه إنسان منكم بشيء؟»، فقالوا: لا، فقال: «كلوا». والذي أمر أبا بكر بقسمته بين الرفاق فهو في حمار وحشي، وجدوه عقيرًا بالروحاء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «دعوه، فإنه يوشك أن يأتي صاحبه»، فجاء البهزي وهو صاحبه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله، شأنكم بهذا الحمار. فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر فقسمه بين الرفاق». أخرجه النسائي في «الصغرى»: ٥/ ٢٠١، كتاب المناسك، باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد، برقم: ٢٨١٧، والبيهقي في «معرفة السنن والآثار»: ١٤/ ١٠١، كتاب الضحايا، باب أكل لحوم الخيل، برقم: ١٩٢٨٢. قال الألباني: صحيح الإسناد. ينظر: صحيح وضعيف سنن النسائي: ٦/ ٣٩٠.