للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألا ترى أنه في الأنعام ذكر الأكل بقوله [تعالى] (١): {وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} (٢)، ولأنه ضم الخيل إلى البغال والحمير في الذكر دون الأنعام، و [الفرق في الذكور دليل] (٣) القران [في الحكم] (٤)، يعني في الجملة الناقصة.

وفي حديث خالد بن الوليد [رضي الله عنه] (٥): أن النبي -عليه السلام- نهى عن أكل لحم الخيل والبغال والحمير (٦)، وكذلك في حديث المقدام [بن] (٧) معد يكرب (٨)، وقد بينا أن الدليل الموجب للحرمة يترجح، وأن ما كان من الرخصة محمول على أنه كان في الابتداء قبل النهي.

فإن قلت: ما جواب أبي حنيفة -رضي الله عنه- عما لو تمسكوا بسؤره وبوله، فإن سؤره طاهر بالاتفاق، وحكم بوله كحكم بول ما يؤكل لحمه، فيستدل بهذين الحكمين على أن الفرس مأكول اللحم كالأنعام.

قلت: أما عن السؤر، فقد روى الحسن عن أبي حنيفة -رضي الله عنه- الكراهة في سؤره، كما في لبنه.

وأما على ظاهر الرواية: فإن الفرس كالآدمي من وجه من حيث أنه يحصل به إرهاب العدو، ويستحق السهم من القسمة، والآدمي غير مأكول اللحم لكرامته، وسؤره طاهر.

وكذا سؤر الفرس، وهذا الطريق يدل على أن الكراهة فيه للتنزيه.

وأما بوله، فإنه إنما جعل بوله كبول ما يؤكل لحمه لمعنى البلوى فيه، وللبلوى تأثير في تخفيف حكم النجاسة. هذا كله من «المبسوط» (٩).

والأول أصح، وهو أن كراهته كراهة تحريم، وإنما اختلف المشايخ في معنى الكراهة عنده على هذين القولين لاختلاف اللفظ المروي عنه؛ لأنه ذكر في «المبسوط» (١٠)، وظاهر اللفظ في كتاب الصيد يدل على أن الكراهة فيه للتنزيه؛ لأنه ذكر في كتاب (الصيد).

قال أبو حنيفة: رخص بعض العلماء في لحم الخيل، فأما أنا فلا يعجبني أكله، وما قال في «الجامع الصغير» بقوله: يكره لحم الخيل يدل على أن كراهته للتحريم؛ لأنه روى أن أبا يوسف قال لأبي حنيفة -رحمه الله (١١) - إذا قُلْتُ في شيء أكرهه، فما رأيك فيه؟ قال: التحريم (١٢).


(١) زيادة من: (ع).
(٢) سورة يس، من الآية ٧٢.
(٣) زيادة من: (ع).
(٤) زيادة من: (ع).
(٥) زيادة من: (ع).
(٦) حديث منكر أخرجه أبو داود في سننه: ١/ ٤١٧، كتاب الأطعمة، باب في أكل لحوم الخيل، برقم: ٣٧٩٠، وابن ماجه في سننه: ١/ ١٠٦٦، كتاب الذبائح، باب لحوم البغال، برقم: ٣١٩٨. قال الألباني: منكر. ينظر: السلسلة الضعيفة: ٣/ ٢٨٦.
(٧) زيادة من: (ع).
(٨) هذا وهم من المصنف؛ لأن حديث المقدام بن معد يكرب هو حديث خالد بن الوليد نفسه، رواه المقدام بن معديكرب عن خالد بن الوليد.
(٩) ينظر: المبسوط: ١١/ ٢٣٤.
(١٠) ينظر: المبسوط: ١١/ ٢٣٤.
(١١) في (ع): «رحمهما الله».
(١٢) ينظر: العناية: ٩/ ٥٠٢، البناية: ١١/ ٥٩٨. وكتب في الحاشية: [فذكر الله الخيل تنزيه، لأن كراهته بمعنى الكراهة؛ كيلا يحصل بإباحته تقليل آلة الجهاد، وكذا كان سؤره طاهرًا، وهو ظاهر الرواية، وهو الصحيح، كذا ذكره فخر الإسلام وأبو المعين في «جامعيهما». وقيل: كراهة تحريم، وحكي عن عبد الرحيم الكرمني أنه قال: كنت مترددًا في هذه المسألة، فرأيت أبا حنيفة- رحمة الله عليه- في المنام يقول لي: كراهة تحريم يا عبد الرحيم. وإليه مال صاحب «النهاية»، وروى الحسن عن أبي حنيفة كراهة في سؤره كما في لبنه، وقيل: لا بأس بلبنه؛ إذ ليس في شربه تقليل آلة الجهاد، كذا في «الكافي» ا. هـ. ولا يحل الخيل، والمفهوم من «المجمع» الحرمة، ومن «الهداية» كراهة تحريم، ثم قيل في الفرق بين الحرام والمكروه انتهى في أن فاعل الأول مجاز في العقل دون الثاني. وقيل: الصحيح أنه مكروه كراهة تنزيه، كما في الشروح.