للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أسبابها لأَشْرَكْنا بالله تعالى، وجعَلْنا معه فاعِلًا مُؤثِّرًا! ولا أحَدَ يَرضَى أن يُشرِك بالله تعالى شيئًا!.

وجَوابُنا على هذه الشُّبْهةِ أن نَقول: إن الأسباب لم تُؤثِّر بذاتها، وإنما أَثَّرَت بما أَودَع الله تعالى فيها من القُوة؛ والدليلُ على هذا أن الله تعالى قال لنار إبراهيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا} [الأنبياء: ٦٩]، فكانت بَرْدًا وسلامًا ولم تُحرِق، فإذا قُلنا: إن هذه الآثارَ المُترتِّبة على الأسباب إنما هي بما أَوْدَع الله تعالى في هذه الأسبابِ من القُوَّة المُؤثِّرة، فإننا بذلك لم نُشرِك بالله تعالى.

وتَطرَّف آخَرون من وجهٍ آخَرَ فقالوا: إن للأسباب تَأثيرًا بذاتها، وإننا نَعلَم أن الحجَر إذا أُرسِل على الزُّجاج كسَره بنَفْسه. ولكن هؤلاءِ همُ الذين جعَلوا مع الله تعالى شُرَكاءَ فإننا نَقول: هذا الحجَرُ لو شاء الله تعالى أن لا يَكسِر الزُّجاجة لم يَكسِرها كما أن الله تعالى لمَّا شاء أن لا تُحرِق النارُ إبراهيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لم تُحرِقه.

فأهلُ السُّنَّة والجماعة وسَطٌ بين هاتين الطائِفتَيْن المُتطرِّفتين؛ الغالية في الأسباب، والغالية في مَشيئة الله تعالى، فنَقول: الأسبابُ مُؤثِّرة، لكن بمَشيئة الله تعالى.

الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إثبات أن الهِداية بمَشيئة الله تعالى؛ لقوله تعالى: {يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ}، وهذه الآيةُ فَرْدٌ من أفراد أدلَّةٍ كثيرة تَدُلُّ على أن فِعْل العَبْد واقِعٌ بمَشيئة الله تعالى، ومن ذلك قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [التكوير: ٢٨, ٢٩].

وهذا المَوطِنُ حصَل فيه مُعتَرَكٌ عظيمٌ جِدًّا بين ثلاثة طوائِفَ: طائِفتان مُتطَرِّفتان وطائِفةٌ مُعتَدِلة:

<<  <   >  >>