للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَطمَئِنُّ إليه النَّفْس، وتَجتَمِع به الأدِلَّة.

فإن قال قائِل: إِذَن يَكون قول المُشرِكين: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٤٨]؛ لأننا لمَّا عبَدْنا غيرَ الله تعالى: علِمنا أنَّ الله تعالى شاء ذلك، وليس لنا القُدرة في مُخالَفة المَشيئة، فهل هذا صحيح؟

فالجَوابُ: أَقولُ: لا، بل هذا حُجَّة داحِضة أَبطَلها الله عَزَّ وَجَلَّ ويُبطِلها العَقْل، فأَبطلَها الله تعالى بقوله: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} [الأنعام: ١٤٨]، وفي آية أخرى قال تعالى: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [النحل: ٣٥].

فلمَّا أَبطَلها الله تعالى شَرْعًا، نَنظُر هل هي باطِلة عَقْلًا أو لا؟

نَقول أيضًا: هي باطِلة عَقْلًا؟ لأنك لم تَعلَم أن الله تعالى ما قضَى عليك بعِبادة الأصنام إلَّا بعد العِبادة، فلماذا لم تَعدِل عن عِبادة الأصنام وتُقدِّر أن الله تعالى قضَى عليك بتَرْك عِبادة الأَصْنام؟! فإِقدامُك على عِبادة الأصنام وأنت لم تَعلَم أن الله تعالى كتَب ذلك هو منك وأنت الذي أرَدْتَه، ولو أنك قدَّرْت الأفضَل والأحسَن، وأن الله تعالى قدَّر أن تَكون مُوحِّدًا مُجتَنِبًا لعِبادة الأصنام لحصَل لك ذلك.

ثُمَّ إننا نَقول: هناك أيضًا دَليل حِسِّيٌّ؛ فلو خُيِّر الإنسان بين شَيْئين أحدُهما أفضَلُ من الآخَر سيَختار الأفضَل، وهل يُمكِن لشَخْص أن يَختار الأَردَأَ ويَقول: هذا الذي قُدِّر لي؟! أبَدًا.

ولو قيل له: لِمكَّةَ طُرُق، طريقٌ آمِن وطريق مَخُوف. فقال: نَذهَب مع الطريق المَخوف؛ لأن الله تعالى كتَب علينا هذا!! فهل هذا يُمكِن أو لا يُمكِن؟

<<  <   >  >>