للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجواب: لقول الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: ١٢] نحن نتحمَّل العذاب عنكمْ، قال الله تعالى: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [العنكبوت: ١٢]، بل إنه يوم القيامة يكون الأمر أشَدَّ، {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة: ١٦٦] يتبَرَّؤون منهم، ويَتَحاجَّون في النَّار، كلُّ طائفة تتبَرَّأ من الأخرى، فلا يمكن لأحدٍ أن يَحْمِل إثم أحدٍ أبدًا.

فإذا قال قائلٌ: كيف يُجمَع بين هذه الآية الكريمة وبين قول الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَام سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (١)، وإخباره: أنَّه "مَا قُتِلَتْ نَفْسٌ بغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ - الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ - كِفْلٌ مِنْ ذَلِكَ" (٢).

فالجواب: أنَّ مَن سَنَّ السُنَّة السَّيِّئة، فإن آثام مَنِ استَنَّ به عليه؛ لأنْ هذا مِن فِعْله، فهو في الحقيقة لم يَحْمِل إثْمَ غيره إلا لأنه هو السَّبَب الذي جرَّ النَّاس إلى هذا الإثم؛ فقد يكون ناسٌ مُسْتَوْحِشينَ من هذا الإثم، يَخْشَوْن منه ويهابونه، فإذا فعله شخص هان عليهم الأَمْر، واقْتَدَوْا به، لا سيما إذا كان الشخص ذا كَلِمَةٍ مُطاعة؛ كالأمير والعالم، وما أشبه ذلك.

إذن: لا تعارُضَ بين الآية والحديث، وجهه: أنَّ مَن سَنَّ السُّنَّة السَّيِّئة فإنَّه عمل العمل الذي به الإثْمُ، والسَّبب اقتداءُ النَّاس به.


(١) أخرجه مسلم: كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة، رقم (١٠١٧)، من حديث جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم وذريته، رقم (٣٣٣٥)، ومسلم: كتاب القسامة، باب بيان إثم من سن القتل، رقم (١٦٧٧)، من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>