للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فصلٌ: في حَدِّ قُطَّاعِ الطَّريقِ.

المُحارَبةُ ليسَت خاصَّةً بالأموالِ، بل تَتعدَّاها إلى الأعراضِ والأَنفُسِ؛ لقولِه تعالى: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المَائدة: ٦٤]، وهذا مِنْ الفسادِ في الأرضِ؛ لأنَّ الاعتداءَ على الأَعراضِ والأنَفُسِ أَشدُّ جريمةً مِنْ الاعتداءِ على الأموالِ.

قاطِعُ الطريقِ اصطلاحًا: مَنْ أَخذَ المالَ أو اعتَدَى على العِرضِ عن طَريقِ السِّلاحِ.

ولو كانَ السلاحُ عصًا أو حَجَرًا أو خَشَبًا؛ لأنه سِلاحٌ يَأتي على النَّفسِ والأطرافِ، أَشبَه الحديدَ.

وسواءٌ في الصحراءِ أو البُنيانِ أو البَحرِ.

ومِثلُه إذا كان يَقتُل النُّفوسَ سِرًّا لأَخذِ المالِ، مِثلَ الذي يَجلس في خانٍ يَكْرِيه لأبناءِ السَّبيلِ، فإذا انفَرَد بقَومٍ منهم قَتَلهم وأَخَذ أموالَهم، أو يَدعُو إلى مَنزلِه مَنْ يَستأجرُه لِخياطةٍ أو طِبٍّ أو نحوِ ذلك، فيَقتلُه ويأخذُ مالَه، وهذا يُسمَّى: القتلَ غِيلَةً، … أنَّهم كالمُحارِبين؛ لأنَّ القَتلَ بالحيلةِ كالقتلِ مجاهرة، كِلاهُما لا يُمكن الاحترازُ منه، بل قد يَكون ضَررُ هذا أَشدَّ؛ لأنه لا يُدرَى به؛ لحديثِ أنسٍ : "أنَّ يَهوديًّا قَتَل جاريةً على أَوضاحٍ لها … فقَتَله النبيُّ بحَجَرَين". رَواه البخاريُّ ومسلمٌ.

ولحديثِ أنسٍ : "أنَّ نَفرًا مِنْ عُكْلٍ ثمانيةً، قَدِمُوا على رسولِ اللهِ ، فبايَعُوه على الإسلامِ، فاسْتَوخَمُوا الأرضَ، فشَكَوا ذلك إلى رسولِ اللهِ ، فقال: «أَلَا تَخرُجُونَ مع رَاعِينا في إِبِلِه، فتُصِيبونَ مِنْ أَبوَالِها وأَلبَانِها»،

<<  <   >  >>