للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنشاءِ إذا كانَ بلفظِ الإنشاءِ، وقد تَقَدَّمَ له صورٌ، وهذا إجماعٌ في الجملةِ، أمَّا إذا كانَ الإنشاءُ بلفظِ الخبَرِ؛ أي: بكونِ صورةِ اللَّفظِ خبَرًا ومعناه إنشاءً، وذلك في صورٍ:

إحداها: أنْ يَكُونَ بلفظِ القضاءِ، كقولِك: قَضَى بكذا أو كذا، قال اللهُ تَعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (١) أي: أَمَرَ، وهذا يَجُوزُ نَسخُه عندَ الجمهورِ.

الصُّورةُ الثَّانيةُ: أنْ يَكُونَ بلفظِ الخبَرِ، سواءٌ كانَ بمعنى الأمرِ، نحوُ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} (٢)، أو النَّهيِ، نحوُ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} (٣) فقالَ الجمهورُ: يَجُوزُ نسخُه باعتبارِ مَعناه، فإنَّ مَعناه الإنشاءُ.

الصُّورةُ الثَّالثةُ: إذا قُيِّدَ الحُكمُ بلفظِ التَّأبيدِ ونحوِه بجملةٍ فِعليَّةٍ، مثلُ: صُوموا يومَ عاشوراءَ أبدًا، أو حتمًا، أو غيرِه ممَّا في مَعناه، وكذا دائمًا أو مستمرًّا، فيَجوزُ بعدَ ذلك نسخُه عندَ الجمهورِ.

وخالَفَ في ذلك بعضُ المُتكلِّمين وغيرُهم قالوا: لمُناقضةِ الأبديَّةِ، فيُؤدِّي ذلك إلى البَدَاءِ.

وجوابُه: أنَّ ذلك إِنَّمَا يُقصَدُ به المبالغةُ لا الدَّوامُ، كما تَقولُ: «لازِمْ غريمَك أبدًا»، وإنَّما تُريدُ لازمْه إلى وقتِ القضاءِ، فيَكُونُ المرادُ هنا لا تُخِلَّ به إلى أن يُقضى وقتُه.

الصُّورةُ الرَّابعةُ: أنْ يُقَيَّدَ بالتَّأبيدِ بجملةٍ اسميَّةٍ كـ: «الصَّومُ واجبٌ مُستمرٌّ أبدًا» إذا قاله على مسألةِ الإنشاءِ، فالجمهورُ على جوازِ نَسخِه؛ لأنَّ الخبَرَ عنِ الحُكمِ كالإنشاءِ في جوازِ النَّسخِ به.


(١) الإسراء: ٢٣.
(٢) البقرة: ٢٣٣.
(٣) البقرة: ٢٣٣.

<<  <   >  >>