للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَيَجُوزُ نَسْخُ إِيقَاعِ الخَبَرِ) الَّذِي أُمِرَ المُكلَّفُ بالإخبارِ به بأنْ يُكَلِّفَ الشَّارِعُ أحدًا بأنْ يُخبِرَ بشيءٍ مِن عقليٍّ أو عاديٍّ كوجودِ الباري وإحراقِ النَّارِ، ثمَّ يَنسَخَه، فهذا جائزٌ اتِّفاقًا، وهل يَجُوزُ نَسخُه بنقيضِه؟ أي: بأنْ يُكَلِّفَه الإخبارَ بنقيضِه المختارُ جوازُه (حَتَّى بِنَقِيضِهِ) بأنْ يُرادَ معَ نسخِه التَّكليفُ بالإخبارِ بضدِّ الأوَّلِ؛ كالإخبارِ بأنَّ السَّماءَ فوقَ الأرضِ يُنسَخُ بالإخبارِ بأنَّ السَّماءَ تحتَ الأرضِ.

وخالَفَ المُعتزلةُ فيه، ومَبناه أصلُهم في حُكمِ العقلِ؛ لأنَّ أحدَهما كذبٌ، فالتَّكليفُ به قبيحٌ، وقد عَلِمْتَ فسادَه.

و (لَا) يَجُوزُ نَسخُ (مَدْلُولِ خَبَرٍ) إذا كانَ الحُكْمُ ممَّا (لَا يَتَغَيَّرُ، كَصِفَاتِ اللهِ) تبارَكَ و (تَعَالَى، وَخَبَرِ مَا كانَ وَمَا يَكُونُ) وأخبارِ الأنبياءِ -عليهم السلام-، ونحوِ ذلك إجماعًا.

(أَوْ) أي: ولا مدلولِ خبَرٍ (يَتَغَيَّرُ كَإِيمَانِ زَيْدٍ) مثلًا (وَكُفْرِهِ) فلا يَجُوزُ نَسخُه أيضًا عندَ الأكثرِ، وجَوَّزَه قومٌ، ويُخَرَّجُ عليه نسخُ المُحاسبةِ بما في النُّفوسِ في قولِه تَعالى: {إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} (١) كقولِ جماعةٍ مِن الصَّحابةِ والتَّابعينَ، فهو في البخاريِّ (٢) عن ابنِ عمرَ، وفي مسلمٍ (٣) عن أبي هُرَيْرَةَ، (إِلَّا خَبَرٌ (٤) عَنْ حُكْمٍ) فيَجُوزُ نَسخُه قطعًا، نحوُ: هذا الفعلُ جائزٌ أو حرامٌ؛ لأنَّه في الحقيقةِ إنشاءٌ، ولو قَيَّدْنا الخبَرَ بالتَّأبيدِ لم يَجُزْ نَسخُه، قَدَّمَه


(١) البقرة: ٢٨٤.
(٢) «صحيح البخاري» (٤٥٤٦).
(٣) «صحيح مسلم» (١٢٥).
(٤) في «مختصر التحرير» (ص ١٨٩): خبرًا.

<<  <   >  >>