للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها قُتِلَ لؤلؤ الذي قتَلَ ألب أرسلان بن رِضوان بحلب، كان قد استولى [على الحاشية] (١)، وشرع في قتل غِلْمان أُستاذه، فاتفقوا [على قتله، فقتلوه، وهذا قول ابن القلانسي] (٢) والصحيح أنه قُتِلَ في السنة الآتية.

وحج بالنَّاس أَمير الجيوش الحَبَشي المُسْتَظْهري، ودَخَل مكَةَ وعلى رأسه الأعلامُ، وخلفه الكُوسات والبُوقات، والسيوفُ في رِكابه، وإنما قَصَدَ إذلال أَمير مكَّة والسُّودان.

[قلتُ: وقد أنكرَ عليه ابنُ عقيل هذا الحال، فقال: حكى لي أَمير الجيوش أنَّه دخل إلى مكَّة على الوجه المذكور ليَذِلَّ أَمير مكَّة والسودان، قال ابن عقيل: حكاه لي متبجِّحًا بذلك، ذاهلًا عن حُرْمة المكان، فقلتُ في نفسي: أَمَا كان مع هذا الحَبَشي من ينبِّهه على حرمة المكان؟ فإنَّ ناقة رسولِ الله لما خَلأَتْ، قال رسولُ الله : "حَبَسَها حابِسُ الفِيل" (٣)، فلما أعطاهم ما أرادوا أُطْلقت، وقد صِينَ المسجدُ عن إنشاد الضَّالَّة حتى قيل لطالبها: لا وَجَدْتَ (٤)، فكيف يجيء هذا الحبشيُّ بدبادبه، فيدخلها معظمًا لنفسه!

قلتُ: لا وَجه لإنكار ابنِ عقيل، لأنَّ النَّهي إنَّما هو عن دخولها محاربًا، هاتكًا لحرمة البيت والحَرَم، وهذا الحبشيُّ إنما دَخَلَها معظِّمًا، لأنَّ أميرها والسودان كانوا عصاةً على بني العَبَّاس، لا يَرَون إمامتهم، ويخطبون لغيرهم، فَقَصد بذلك الطَّاعة، والإذعان لا الهوان والعصيان، وليس في الحكاية أنَّه دَخَلَ المسجد الحرام الذي فيه كعبةُ الإجلال والإعظام، وإنما دَخَلَ البلد على ذلك الوَصف الذي فيه إرهابُ الخاصّ والعام.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) في (ع) و (ب): فاتفقوا عليه وقتلوه، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش)، وانظر "ذيل تاريخ دمشق": ٣١٥.
(٣) أخرجه البخاري (٢٧٣١) (٢٧٣٢) من حديث المِسْور بن مَخْرمة، ومروان بن الحكم، وبنحوه عن أحمد في "المسند" (١٨٩١٠) (طبعة مؤسسة الرسالة)، وخلأت: الخلاء للإبل كالحرن للخيل.
(٤) لحديث أبي هريرة ، قال: سمعت رسول الله يقول: "من سمع رجلًا ينشد في المسجد ضالة، فليقل له: لا أداها الله إليك، فإن المساجد لم تُبنَ لهذا"، وقد أخرجه مسلم (٥٦٨)، وهو عند أحمد في "المسند" (٨٥٨٨).