للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على اللَّه لأَبرَّه، فإن استطعتَ أن يَستغفِر لك فافعل"، فاستغفِرْ لي، فاستغفر له، ثم قال له عمر: أين تُريدُ؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتبُ لك إلى عاملها فيستوصي بك؟ فقال: لأن أكونَ في غَبْراء الناس أحبّ إليَّ.

فلما كان في العام المقبل حجَّ رجلٌ من أشرافهم، فوافق عمرَ، فسأله عن أُويس: كيف تركْتَه؟ قال: رب البيت قليلَ المتاع، فقال عمر: سمعتُ رسولَ اللَّه يقول، وذكره، ثم قال عمر للرجل: إن استطعتَ أن يَستغفرَ لك فافعل، فلما قدم الرجلُ الكوفة أتى أويسًا القرنيَّ فقال: استغفِر لي، فقال: أنت أحدثُ عهدًا بسفرٍ صالحٍ، فردَّد عليه القول فقال: هل لقيتَ عُمر؟ قال: نعم، فاستغفر له، وفَطِن له الناس، فانطلق على وجهه.

قال أُسير بن جابر: فكسوتُه بُرْدةً فكان كلَّما رآها عليه إنسان قال: من أين لأُويسٍ هذه البردةُ؟ انفرد بإخراجه مسلم (١).

وروى عكرمةُ عن ابن عباسٍ قال: مكث عمر يَطلبه عشرَ سنين حتى ظَفِر به في آخرِ خلافته.

وقال عبد الغني بن سعيد: أُوَيس القَرَني، وقَرَنٌ: بَطنٌ من مرادٍ، أخبر به رسولُ اللَّهِ قبل وُجوده (٢).

وقال ابن سعد بإسناده عن أُسَيْر بن جابر قال: كان محدِّثٌ بالكوفةِ يُحدِّثنا، فإذا فرغ من حديثِه تفرَّقوا، ويبقى رهطٌ فيهم رجلٌ يتكلَّمُ بكلامٍ لا أسمعُ أحدًا يتكلَّم كلامَه، فأحببتُه ففقدتُه، فقلتُ لأصحابي: هل تعرفون رجلًا كان يُجالسُنا كذا وكذا؟ فقال رجلٌ من القوم: نعم أنا أعرفُه، ذاك أُوَيس القَرَني، قال: فتعلمُ منزلَه؟ قال: نعم، قال: فانطلقتُ معه حتى ضربتُ حُجْرتَه، فخرج إليَّ، فقلتُ: يا أخي، ما حَبَسك عنا؟ قال: العُرْيُ، وكان أصحابُه يُؤذونه ويَسخرون به، قال فقُلتُ: خُذ هذا البُرْدَ فالبَسه، قال: لا تَفعل، فإنَّهم إذًا يُؤذونني إن رأَوه عليَّ، قال: فلم أزل بهِ حتى لَبِسه، وخرج عليهم،


(١) صحيح مسلم (٢٥٤٢) (٢٢٠).
(٢) تاريخ دمشق ٣/ ١٩٤ (مخطوط).