للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالوا: مَن تَرَوْن خدع عن بُرْدهِ هذا؟ قال: فجاء فوضعه وقال: أتَرى؟

قال أُسَيْرٌ: فأتيتُ المجلسَ فقلتُ: ما تُريدون من هذا الرَجل؟ قد آذَيْتموه، الرجل يَعْرى مرَّةً ويكتسي أُخرى.

قال: فقُضي أن أهلَ الكوفةِ وفَدوا على عمرَ، فوفد رجلٌ ممَّن كان يَسخرُ به، فقال عمر: هل هاهنا أحدٌ من القَرَنيين؟ فجاء ذلك الرجل، فقال: إن رسولَ اللَّه قد قال: إن رجلًا يَأتيكم من اليمن، يُقال له أُوَيس، لا يَدعُ باليمن غيرَ أُمّ، وقد كان به بياض، فدعا اللَّه فأذهبه عنه إلا مثل الدرهم، فمَن لَقيه منكم فمُروه فليستغفر لكم.

قال: فقدم علينا فقلتُ: من أين؟ قال: من اليمنِ، قال قلتُ: ما اسمُك؟ قال: أُوَيس، قلتُ: فمَن تركتَ باليمنِ؟ قال: أُمًّا لي، قال: أكان بك بَياضٌ فدعوتَ اللَّه فأذهبه عنك؟ قال: نعم، قال: استغْفِر لي، قال: أو يستغفِرُ مِثلي لمثلك يَا أميرَ المؤمنين؟ قال: فاستغفر له. قال: قلت له: أنتَ أخي لا تُفارقني، فامَّلَس مني، فأُنبئتُ أنَّه قَدِم عليكم الكوفةَ. قال: فجعل ذلك الرجل الذي قال يَسخَرُ به ويَحتقره يقول: ما هذا؟ هذا عندنا وما نَعرفُه؟! فقال عمر: بلى إنَّه رجل كذا، كأنَّه يضعُ من شأنِه، قال: فينا يا أمير المؤمنين رجلٌ يقالُ له أُوَيس يُسْخَرُ به، قال: أَدركْ ولا أُراك تُدْرِك.

قال: فأقبل ذلك الرجل حتى دخل عليه قبل أن يَأتيَ أهلَه، فقال له أُويس: ما هذه بعادتِك فما بدا لك؟ قال: سمعتُ عمر بنَ الخطاب يقول فيك كذا وكذا، فاستَغْفِر لي يَا أُوَيسُ، فقال: لا أفعل حتى تجعلَ لي عليك ألا تسخَرَ بي فيما بعد، ولا تذكر الذي سمعتَ من عمر إلى أحدٍ، قال: فاستغفر له.

قال أُسير: فما لبثنا أن فشا أمرُهُ في الكوفةِ، فأتيتُه فدخلتُ عليه، فقلتُ له: يا أخي، ألا أراك العجبَ ونحن لا نشعر؟ قال: ما كان في هذا ما أتبلَّغُ به في الناسِ، وما يُجْزى كلُّ عبدٍ إلَّا بعملهِ، ثم امَّلس منهم فذهبَ (١).

وقال ابن سعد بإسنادِه عن سلّام بن مسكين: حدثني رجل قال: قال رسولُ اللَّهِ : "خليلي من هذه الأمة أُويس القَرَني" (٢).


(١) طبقات ابن سعد ٨/ ٢٨٢ - ٢٨٣.
(٢) طبقات ابن سعد ٨/ ٢٨٣.