للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: وقد روى قِصَّته مع هَوِم بن حَيَّان غيرُ ابن سعدٍ، فأنبأنا غيرُ واحدٍ، عن أبي الفضل محمد بن ناصر بإسناده (١)، عن علقمة قال: انتهى الزُّهد إلى ثمانيةٍ من التابعين، منهم أُوَيس القَرَني، ظنَّ أهلُه أنَّه مجنون، فبَنَوْا له [بيتًا] على باب دارهم، فكانت تأتي عليه السِّنون لا يَرودْ له وجهًا، وكان طعامُه مما يَلتقط من النوى، فإذا أمسى باعه وأفطر على ثَمنه.

فلما ولي عمر بن الخطاب قال في الموسم: أيها الناسُ، قوموا، فقاموا، فقال: اجلسوا إلا مَن كان من اليمن، فجلسوا، فقال: اجلسوا إلا مَن كان من مُراد، فجلسوا، فقال: اجلسوا إلا مَن كان من قَرَن، فجلسوا إلا رجُلًا، وكان عمَّ أُويسٍ، فقال له عمر: أقَرَنيٌّ أَنْتَ؟ قال: نعم، قال: أتعرفُ أُوَيسًا؟ قال: وما تَسأل عنه؟ فواللَّه ما فينا أجنُّ ولا أحوجُ ولا أحمقُ منه، فبكى عمر ثم قال: سمعتُ رسول اللَّه يقول: "يدخُل الجنَّة بشفاعته مثلُ ربيعةَ ومُضر".

وقال هَرِم بن حَيَّان: فلما بلغني ذلك قدمتُ الكوفة فلم يكن لي همٌّ إلا طَلَبه، حتى سقطتُ عليه جالسًا نصفَ النهار على شاطئ الفرات يتوضَّأ، فعرفتُه بالنَّعت الذي نُعِت لي، فإذا رجلٌ نحيلٌ آدمُ شديدُ الأُدمة، أشعثُ مَحلوقُ الرأس، مهيبُ المنظر، فسلَّمتُ عليه فردَّ عليَّ، فمددتُ يدي لأُصافحه فأبى، فقلتُ: رحمك اللَّه يَا أُويسُ وغفر لك، كيف أَنْتَ؟ وخَنَقتْني العَبْرة من حبِّي إياه ورقَّتي عليه، لما رأيتُ من حاله، وبكيتُ وبكى وقال: وأنت فحيَّاك اللَّه يَا هَرِم بن حَيَّان، مَن دلَّك عليّ؟ فقلتُ: اللَّه، فقال: لا إله إلا اللَّه، سبحان ربِّنا إن كان وَعدُ ربِّنا لمَفعولا.

قلتُ: فمن أين عرفتَ اسمي واسمَ أبي، وما رأيتَني قطُّ، ولا رأيتُك قبل اليوم؟ فقال: أنبأني العليمُ الخبير، عرفتْ روحي روحَك حين كلَّمتْ نَفسي نفسَك، إن المؤمنين يَعرف بعضُهم بعضًا، ويتحابون بروح اللَّه وإن لم يَلتقوا، وإن نأَت بهم الدار، وتفرَّقت بهم المنازل.

قلتُ: حدِّثني عن رسول اللَّه فقال: إني لم أُدْركْه، ولم يكن لي معه صُحبةٌ،


(١) إلى هنا ليس في (أ) و (خ) مما أشير إليه قبل صحائف.