للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأبي وأُمي رسولُ اللَّه، ولكني قد رأيتُ مَن رآه، ولستُ أُحبُّ أن أفتح هذا الباب، فأكون محدِّثًا أو قاصًّا أو مُفتيًا، في نفسي شُغلٌ عن الناس.

قلتُ: اقرأ عليَّ آياتٍ من كتاب اللَّه، وأوصني بوصيةٍ، فقال: أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم، قال ربِّي وأصدقُ الحديثِ حديثُ ربي: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨)﴾ الآية [الدخان: ٣٨]، ثم شَهق شَهقةً فطننتُه قد مات، ثم أفاق فقال: يا هَرِم بن حيَّان: مات أبوك، ويوشك أن تموت أنت، فإما إلى الجنّة وإما إلى النار، ومات آدم وحوَّاء ونوحٌ وإبراهيم ومحمد صلى اللَّه عليهم أجمعين، ومات أبو بكر خليفةُ رسول اللَّه ، ومات أخي وصديقي عمرُ بنُ الخطاب، فقلتُ له: إن عمر لم يَمُت، فقال: بلى، قد نعاه إليَّ ربّي، ونَعى إليَّ نفسي، وأنا وأنت في الموتى، ثم دعالي وأوصاني وقال: السلام عليك، لا أَراك بعد اليوم؛ فإنِّي أكره الشُّهرة، خُذْ أَنْتَ هاهُنا، حتى آخذ أنا هاهُنا، ودخل بعضَ السّككِ، ثم طلبتُه بعد ذلك أشدَّ الطَّلب فلم أجد أحدًا يعرفُه، وأنا باكٍ عليه، وأَراه كل وقتٍ في منامي (١).

قلتُ: وهذا هَرِم بن حَيّان العَبْدي ذكره ابن سعدٍ في الطبقةِ الأولى من التَّابعين من أهل البصرة، استعمله عمر بن الخطاب (٢)، وروى عن عمر الحديث وعن جماعةٍ من الصحابة، وكان عالمًا زاهدًا صالحًا، وروى عنه الحسنُ البصري وغيرُه، وإنما سُمّي هَرِمًا لأن أمَّه حملتْ به سنتين، وولدته وقد بدت ثناياه، وسنذكره في سنة ستٍّ وأربعين (٣).

وقال أبو عبد الرحمن السُّلَمي: كان أُويسٌ يلقُطُ الكِسَرَ من المزابل، فيغسلها في الفرات، ويفطر على بعضها، ويتصدَّقُ بالباقي، ويأخذُ الرُّقَع من المزابل، فيغسلها في الفُرات، ويَرقعُ بها ثوبَه، وعَري حتى جلس في قَوْصَرة.

وجاء يومًا إلى مَزْبَلةٍ أو كُناسةٍ يَتَقمَّمُ منها وعليها كلبٌ، فنبح عليه، فقال له أُويس: كُلْ ممّا يَليك، وآكلُ أنا مما يَليني، إن دخلتُ الجنّةَ كنتُ خيرًا منك، وإن دخلتُ النَّار كنتَ خيرًا مني.


(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية ٢/ ٨٤ - ٨٦، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٣/ ٢٠٦ - ٢٠٨، قال الذهبي في السير ٤/ ٢٩ عن هذه القصة: لم تصح، وفيها ما يُنكر.
(٢) طبقات ابن سعد ٩/ ١٣١.
(٣) من قوله: قلت وهذا هرم. . . إلى هنا ليس في (أ) و (خ).