للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

برجلٍ من قيس سُلَيْم" (١)، واستبشر به ابنُ تُومَرْت، وعَلِمَ أَنَّه وارِثُه، وحامِلُ أمانته، ومقيمُ دعوته، وتوفي ابن تُومرت بمكانٍ يقال له تينمَل، وقبره ظاهر يُزار (٢).

وقال أبو يعلى بنُ القلانسي: حدَّثني مَنْ أثقُ به مِنْ أهل المغرب، أَنَّ الفقيه ابنَ تُومَرْت من جبل السُّوس، وأَصلُه مَصمُودي، وكان غايةً في الفِقْه، والدِّين، مشهورًا بالوَرَع والزُّهْد، وكان قد سافر إلى العراق، واجتمع بالأَئمة والفقهاء، وأَخَذَ عنهم، وناظر، وسمع الحديث، وعاد إلى مِصر، وقرأ على علمائها، ثم عاد إلى المغرب، ودعا إلى مذهب الفكر، وابتدأ ظهوره في سنة اثنتي عشرة وخمس مئة في مدينة تعرف بدرن في جبلٍ أوله في البحر المحيط وآخره في بحر الإسكندرية، وغَلَبَ على جبل السُّوس، واجتمع إليه خَلْقٌ كثير من قبائل المصامدة بجبل درن (٣).

وقيل: إنه وصل إلى المهدية، وأمر أهلها أن يبنوا قصرًا على نِيَّة الفكرة، وأن يعبدوا الله تعالى فيه بالفكرة، فاجتمعَ مشايخُ أهلِ المهدية وفقهاؤها، وعَزَموا على بنائه، فقام رجلٌ من كبار الفقهاء، فقال: نقيم ما أقمنا في المهدية، ويجيءُ إليكم رجلٌ بربري مَصمُودي يأمركم بالعبادة بالفكرة، فتجيبون إلى ما أمركم به؟! وأنكر ذلك إنكارًا شديدًا حتى عادوا عنه، وأبطلوه، فخرج المَصمُودي من المهدِيَّةِ، ولم يتمَّ له فيها أمر، فجاء إلى بِجاية؛ وهي في يد بني حَمَّاد من صِنْهاجة، فأنكر عليهم شُرْبَ الخمر، وكَسَرَ الأواني، فامتنعوا من شُرْبها، وساعده على ذلك آلُ حمدون (٤) صاحب


(١) لم أقف عليه.
(٢) في (م) و (ش) عقب هذا: وسنذكر سيرة عبد المؤمن في سنة ثمانٍ وخمسين وخمس مئة. قلت: وهذا هو المشهور من سيرة ابن تومرت. في سنة ثمان وتسعين وأربع مئة (كذا)، وكان شعرًا فصيحًا، ومن شعره من قبل أن يقدم بالمغرب. ثم ذكر البيتين الآتيين ص ٢٦٣.
(٣) انظر "الروض المعطار": ٢٣٤ - ٢٣٥.
(٤) وهي كذلك في أصل "ذيل تاريخ دمشق": ٤٥٥، غَيَّرها "محققه" إلى ابن حماد ظنًّا منه أن المراد بالنص هو حاكمها يحيى بن عبد العزيز بن حماد، وهو آخر ملوكها، والحق أن آل حمدون كانوا المتحكمين في بجاية، وذلك لانشغال أميرها يحيى بالصيد واللهو، وقد بين منزلة آل حمدون ابن الأثير في "الكامل": ١١/ ١٥٨ - ١٥٩.