للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم تمني الموت لنزول الضر]

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لابد متمنياً، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي) متفق عليه.

(لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به) لأن تمني الموت لنزول الضر معناه عدم الرضا بالقضاء والقدر، ومعناه عدم الاستسلام لأمر الله، ومعناه الجزع وعدم الصبر، وهذا لا يتناسب مع الإيمان بالله، وإما إذا كان تمني الموت مخافة فتنة في الدين فبعضهم يقول: لا مانع؛ فإن تمني الموت لميتةٍ كريمة كالشهادة في سبيل الله لا مانع منه.

وقد ورد أن عمر رضي الله تعالى عنه في حجته الأخيرة جاء الأبطح واستلقى على ظهره فسمعه أحدهم يقول: [اللهم كبرت سني، وضعف عظمي، واتسعت رعيتي؛ فاقبضني إليك غير مفتون] .

ما طلب لشيء نزل به، لا، إنما خاف من فتنة في الدين، أو على المسلمين، وقد أصبح الأمر ثقيلاً عليه، فطلب لقاء ربه.

فمثل هذا ليس داخلاً في هذا الأمر، أما لضرٍ نزل به: فقر، مرض مزمن، مضايقة من أي جهة من الجهات، فلا ينبغي أن يتمنى الموت بسبب ذلك، بل يصبر ويحتسب.

والعجيب أن الله سبحانه وتعالى جعل في رسله النماذج للمثاليات الكاملة في كل شيء، فجعل -مثلاً- نأخذ من إبراهيم عليه السلام صبره وصموده؛ حتى كان أمة، وشدة توكله على الله عندما ألقي في المنجنيق ليلقى في النار، فيأتي جبريل يقول له: ألك حاجة؟ فيقول: أما إليك فلا، وإلى ربي بلى.

مثال في أعلى ما يمكن من اليقين بالله والتوكل عليه.

تأتي إلى نوح في صبره، وعزمه، وطول أجله, و.

إلخ.

تأتي إلى موسى تأتي إلى يوسف عليه السلام مثالية نموذجية إلى أقصى ما يمكن أن يتصوره العقل البشري في العفة والطهارة: {وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:٢٣] .

والرسول صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى في كل الجوانب، ولا شك في ذلك، كذلك نبي الله أيوب أصبح مثالاً عند الناس في الصبر، صبر على الابتلاء، وعلى فقد أهله، وعلى فقد ماله، و.

و.

والملائكة تقول: يا رب! ارحم عبدك، فيقول: إذا اشتكى لكم فأغيثوه، إن شكى لكم فأجيبوه، وهو ما زال يقول: ما دام قلبي سليماً لا يفتر عن ذكر الله وأخيراً: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص:٤٢] فكان المثل.

فالمؤمن عندما يبتلى بمرض، أو أي شيء الصبر أفضل له، وقد جاء في الحديث: (إن الله ليكتب للعبد المنزلة فلا يصلها بعمله، فيصيب منه ليبلغ تلك المنزلة) يكتب له الأجر مائة في المائة، ولكن عمله خمسون في المائة فليس قادراً أن يصل إلى هناك، فيبتليه بالمرض ليصبر، وليصعد الباقي بالصبر على مرضه.

إذاً: ليس هناك شر عليه، وإذا صبر وجد الخير، وفي بعض الروايات أيضاً أن المريض يئن لمرضه، فالملائكة تقول: (يا رب! عبدك كان يقوم الليل، كان يصوم، كان يفعل، كان يذكر وهو الآن عاجز، فيقول: أنينه -هذا العبد الصالح- في مرضه خيرٌ من صوت الآخرين بالذكر والعبادة) إذاً: لا ييأس الإنسان ولا يجزع، وليعلم أن ربه أرحم به منه، وإذا كان سيد الخلق: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٦] هذا النبي صلى الله عليه وسلم، فما بالك برب النبي؟! إذاً العاقل المؤمن يسلم أمره لله، ويحمل نفسه -عقلاً وإيماناً وعقيدة- بأن ما أتاه الله به فهو الخير؛ لأنه أعرف بعبده من نفسه، ولهذا: لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به, ولكن إذا ضجر وكان تنفيساً له، فليقل مفوضاً الأمر لله الذي أنزل به الضر: (اللهم أحيني إن كانت الحياة خيراً لي) لم يقل: أحيني لأن الحياة خير لي، لا، أنت الذي تعلم إن كانت الحياة خيراً لي، أي: يطول العمر، ويستقيم في العبادة، ويعمل صالحاً، فخيركم من طال عمره، وحسن عمله.

فقد كان هناك أخوان صالحان، فمات الأول قبل الآخر، وكان الأول أصلح من الآخر، فبقي الآخر بعده، فذكروا ذلك لرسول الله، قالوا: (والله مات الأخ الصالح، قال: والثاني، قالوا: ليس مثل الأول، قال: لعله يصلي بعده، ويصوم بعده، ويذكر الله بعده فيلحقه) إذاً: (اللهم أحيني إن كانت الحياة خيراً لي) أي: وأنت الذي يعلم ذلك، (وتوفني إن كانت الوفاة خيراً لي) حتى لا أفتن؛ لأن الذي يعلم ذلك هو الله، فكأنه أيضاً رجع إلى الله سبحانه وتعالى.