للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)]

قال رحمه الله: [وعن حفصة أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له) رواه الخمسة، ومال الترمذي والنسائي إلى ترجيح وقفه، وصححه مرفوعاً ابن خزيمة وابن حبان، وللدارقطني: (لا صيام لمن لم يفرضه من الليل) ] .

كأن المؤلف رحمه الله يذكر الأحاديث بالتسلسل التشريعي، فذكر أولاً: (لا تصوموا قبل رمضان بيوم أو يومين) ، قبل أن يأتي الشهر، فإذاً: ما صمنا اليوم ولا اليومين، ثم جاء اليوم الذي يشك فيه فقال: (لا تصوموا يوم الشك) ، ثم تعدى يوم الشك، قال: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته) ، فهذا تسلسل حدثي ماض، وبعد أن رأينا الهلال، وصمنا لرؤيته، بدأ في بيان الصوم، فإذا كنت رأيت الهلال وثبت عندك وستصوم، فلابد أن تبيت النية بليل.

وهذا الحديث عن حفصة رضي الله تعالى عنها، وهي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمر يروي عن أخته هذا الحديث، وبعضهم يقول: هذا موقوف عليها، أي: من قولها هي.

والبعض يقول: لا، لقد رفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غير هذه الرواية.

إذاً: حديث تبيت النية للصوم جاء عن حفصة تارة مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة موقوفاً صناعة أو شكلاً على حفصة، ومهما يكن من شيء، فتصحيح الصوم بالنية، وعدم تصحيحه بدونها هل هذا من حق أحد سوى الوحي المنزل؟ فكون الصوم يشترط فيه تبييت النية أو لا يشترط هل من حق أحد أن يجتهد فيه؟ هل من حق أحد أن يتدخل فيه؟ لا، إنما ذلك لا يكون إلا توقيفاً عن الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذاً حفصة رضي الله تعالى عنها حينما قالت: لا صيام لمن لم يبيته بليل.

لم تأت به من اجتهادها ولا تفكيرها، بل نجزم يقيناً أنها ما قالته إلا بعد أن سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤكد هذا أنها زوجه، ومن أقرب الناس إليه، ولا يفوتها مثل هذا، وعلى هذا فهو وإن كان موقوفاً شكلاً على حفصة؛ لعدم ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو مرفوع حكماً؛ لأنه ليس مما يحتمل الاجتهاد.

وعلى هذا يكون صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يُجمع -من لم يزمع، من لم يبيت.

كل هذه ألفاظ جاءت في هذا الحديث وغيره- الصوم بليل فلا صوم له) ، وكلمة (ليل) هنا: ظرف لنية الصوم نهاراً، ومتى تكون النية إذاً؟ قالوا: من بعد غروب الشمس أول الليل إلى قبيل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وهذا كله ليل، إذاً: من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ليل.