للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رد المصلي للسلام بالإشارة]

قال رحمه الله تعالى: [وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قلت لـ بلال: كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا وبسط كفه.

أخرجه أبو داود والترمذي وصححه] .

في قوله: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليكم السلام؟ قال: (يقول هكذا وبسط كفه) .

اختلف أهل العلم: هل بسطه كان إلى الأعلى، أم بغير ذلك؟ فبعضهم يقول: يقبض أصابعه ويمد السبابة، وبعضهم يقول: يمد الكف كاملاً، وهو دليل على جواز رد السلام بالإشارة.

ويقول بعض العلماء: هذا الرد كان قبل النهي عن الكلام؛ لأن الرد بالإشارة كالكلام، فكأنك تتكلم.

والآخرون يقولون: إن الحركة باليد ليست كلاماً، والنهي عن الكلام في الصلاة المراد به كلام الناس في الصلاة.

وقالوا: هذه الحركة كانت قبل الهجرة، وقبل أن يسافروا ويهاجروا إلى الحبشة، فقد جاءت الأخبار بأن بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا في مكة يسلمون على المصلين ويردون عليهم السلام، وهذا يدخل في عموم قول الراوي: (كان أحدنا يحدث صاحبه بحاجته وهو في الصلاة، حتى نزل قوله سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:٢٣٨] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) .

قالوا: قوله: نهينا عن الكلام، أي: بعد الهجرة في المدينة، وكان تكليم بعضهم لبعض في مكة قبل الهجرة إلى المدينة، فكانوا يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، ويرد عليهم السلام بالقول؛ لأنهم لم ينهوا عن الكلام في الصلاة، فهاجر بعض الصحابة إلى الحبشة، فلما رجع أحدهم من الحبشة قبل الهجرة إلى المدينة دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلم عليه فلم يرد عليه، قال: فجمعت الماضي والحاضر -يعني: أخذت أفكر في تاريخي الإسلامي وفيما مضى وفي حاضري- فظن أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرد عليه سخطة عليه، وما علم أنهم قد نهوا عن الكلام، فاشتد الحال عليه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد عليه، ولما سلم النبي صلى الله عليه وسلم وفرغ من الصلاة رد عليه السلام، وقال له: (إن في الصلاة لشغلاً) ، يعني: كنت مشغولاً بصلاتي عن أن أرد عليك السلام.

فاستدلوا بحديث: (إن في الصلاة لشغلاً) ، بأن من سُلم عليه وهو في الفريضة لا يرد، وإذا أنهى صلاته رد السلام على من سلم عليه، أما في النافلة فيبسط اليد.

وبعضهم يقول: إن النهي عن الكلام وقع في مكة أيضاً؛ لأنه في بعض روايات الرواية المتقدمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رد السلام بعد الصلاة، قال له الصحابي: ماذا حدث يا رسول الله؟ قال: (إن الله يحدث من أمره ما شاء، وقد أحدث من أمره أنه نهانا عن الكلام في الصلاة) ، ومن هنا وقع الخلاف بين العلماء في مسألة من سلم عليه وهو يصلي، ففي هذا الحديث أنه كان يبسط كفه، وفي الحديث الآخر: (إن في الصلاة لشغلاً) ، ورد على المسلِّم بعد أن فرغ من صلاته، فجمعوا بين الحديثين وقالوا: حديث: (إن في الصلاة لشغلاً) يحمل على ما إذا كانت فريضة، فلا يرد ولا يبسط كفه، وإذا فرغ من صلاته رد السلام على من سلم عليه، وإذا كان في نافلة رد بالإشارة وبسط كفه لمن سلم عليه، والله تعالى أعلم.