للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أيهما يقدم في النفقة: الزوجة أم الأولاد؟]

قال: (تصدق به على نفسك.

قال: عندي آخر) انظر التدرج في السؤال! قال: (تصدق به على ولدك) .

الحديث هنا جاء بالزوجة في الترتيب الثالث، وهناك روايات أخرى تفيد أن الزوجة في الترتيب الثاني، أي: بعد نفسه تكون الزوجة، وهكذا حكم زكاة الفطر، فلو أن إنساناً عنده زوجه ووالداه وولده، فهم خمسة أشخاص، وليس عنده إلا صاع واحد زائد عن قوت هؤلاء الخمسة، فيخرج الصاع عمن؟ هل يخرجه عن أبيه، أو عن أمه، أو عن زوجه، أو عن ولده، أو عن نفسه؟ عن نفسه أولاً، فإذا رزق صاعاً آخر فالجمهور يقولون: الزوجة قبل الوالدين؛ لأن الزوجة نفقتها لازمة في الغنى والفقر، بخلاف الأبوين والولد، فنفقتهم في حالة الغنى ليست بواجبة، وفي حالة الفقر تجب.

إذاً: من وجبت نفقته بصفة دائمة أولى ممن وجبت نفقته بصفة مؤقتة، وقد جاء في بعض الروايات: (تصدق به على زوجك) ، وهنا قال: (على ولدك) ، والأمر سيان تقدم أو تأخر فإن الإنفاق على الزوجة أولى، وهي كما في الحديث الصحيح: (حتى اللقمة تضعها في في امرأتك صدقة) .

قال بعض أدباء الفقهاء: لو أنه أطعم الزوجة ممازحة فأخذ التمرة ووضعها بيده في فيها -يمازحها- فإنها صدقة؛ لأن هذا من باب تقوية الصلة والرابطة، وجبر الخاطر، وإذا وجدت الصلة القوية بين الزوجين طابت الحياة، أما إذا لم يكن هناك ترابط بينهما، ولا مودة ولا محبة؛ فإن الحياة بينهما لن تطيب، وتكون هناك الشكليات، فينفق عليها حتى لا تشتكيه أو غير ذلك.

والجمهور على أن اللقمة تضعها في في امرأتك من النفقة على زوجتك، وسواء أعطيتها بيدك أو تناولتها هي بيدها.

(قال: عندي آخر، قال: تصدق به على ولدك) إذاً: الولد حينما تنفق عليه وهو في حاجة إلى ذلك، تكتب لك صدقة، وهذا من أهم ما يلزم على الناس أن تراعيه ففي الوقت الحاضر، في بعض البيوت يكون الولد ليس لديه مورد في نفسه، مثلاً لم يتمم الدراسة، أو لم يجد مجالاً للعمل، فلا تستكثر أن تنفق عليه، فإنها صدقة.

وبعضهم أنهى دراسته، وطلب العمل، ولا مجال للعمل -كما يقال: البطالة- ولا يوجد مجالات لوظائف الحكومة، وما عنده القدرة على أن يشق طريقه في الأعمال الحرة، وهو في حاجة إلى النفقة، وليست النفقة مجرد إشباع جوعه، وكسوة بدنه، فقد يحتاج إلى غير ذلك، قد يحتاج إلى فاكهة، وإلى أشياء من المباحات.

والولد يشمل الذكر والأنثى، وبالأخص الأنثى؛ لأنه ليس لها خروج، وليس لها مجال، ونفقتها واجبة إجبارياً على وليها الذي هو الأب أو الزوج، فإذا كان الولد في البيت، وليس له دخل من جهة ما، أو كان عاجزاً عن الكسب؛ فتلزم نفقته.

قد يكون الولد قاصراً سواء كان قاصر الأهلية أو قاصر المسئولية، فلا يستطيع أن يدخل في المشاريع والمقاولات ويلتزم للناس بأعمال، وقد يكون قاصراً خلقاً، بأن يكون من ذوي العاهات.

إذاً: النفقة على مثل هذا الصنف من الأولاد إنما هي صدقة، فلا تتأفف من ذلك، ولا تقل: كيف أنفق عليه وهو قوي جلد ولا يعمل؟! أوجد له سبيل العمل وساعده على إيجاد العمل الذي يستغني به عنك، فإذا لم يجد، أو أنه يبحث ويطلب؛ فأنفق عليه إلى أن يجد ذلك ويستغني بما وجد، فحينئذٍ تترك النفقة عليه.