للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح أثر عمر: (إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه)]

قال رحمه الله: [وعن عمر رضي الله عنه قال: (يا أيها الناس! إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه) رواه البخاري] .

بإجماع العلماء أن سجود التلاوة ليس بواجب؛ ولكن كما أشار عمر رضي الله تعالى عنه: أن من سجد فقد أصاب، إذاً: الصواب هو مطلب كل إنسان، وأيضاً لو تتبعتم -يصعب علي تتبعه الآن- مواضع السجود الخمسة عشرة في كتاب الله تجدون أنها إما عند إعظام المولى سبحانه، أو إعظام كتابه الكريم، أو تنويهاً بمكانة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذت ما قبل آية السجدة في الخمسة عشرة موضعاً فستجد ما يوجب السجود ولو لم يأت الأمر به.

أي: ستجد إعظاماً لله، أو إكراماً وتعظيماً لكتاب الله، أو تكريماً لرسول الله وللدعوة في سبيل الله، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ونذكر بعض النماذج على ذلك، ففي أول سجدة في سورة الأعراف، تجد أن السجود هناك يتعلق بسجود الملائكة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف:٢٠٦] ، والآية التي قبلها قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:٢٠٥] ، وقبلها: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الأعراف:٢٠٤] ، فهناك الأمر باستماع القرآن، وهناك الأمر بذكر الله: {إِنَّ الَّذِينَ} يعني: هناك قوم تشبه بهم: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} وهم الملائكة لا يفترون عن ذكر الله، ولا يستكبرون عن السجود، وقد استكبر من استكبر، وطرد بسبب استكباره، فلا تستكبر أنت وبادر إلى السجود.

وهكذا -أيها الإخوة- لو تتبعنا كل مواطن السجود الخمسة عشرة في كتاب الله لوجدنا المعنى والسياق يدعوك لأن تسجد طواعية وإعظاماً لله سبحانه، والله تعالى أعلم.

قوله: [وفيه: (إن الله تعالى لم يفرض السجود إلا أن نشأ) وهو في الموطأ] .

وهذا الأثر هو سبب كتابتي رسالة: (سجود التلاوة) ؛ لأنا لما مررنا على هذا الأثر في الموطأ ونحن طلبة متأخرون، حاولت أن أجد رسالة مجموعة في سجود التلاوة فلم أجد، لا للمتقدمين ولا للمتأخرين، ولكنهم ينبهون عليها منثورة في سور القرآن كاملة، ولكن مباحثها، والخلاف فيها، والراجح في ذلك، وأحكامها الفقهية؛ لم أجد شيئاً من ذلك، فحاولت بقدر المستطاع تقريباً لنفسي ولإخواني أن أجمع فيها رسالة فجمعتها بعنوان: (سجود التلاوة) ، وإن شاء الله من يحصل عليها سيجد كل ما يخطر بباله من مباحث سجود التلاوة من مواضعها المتفق عليه والمختلف فيه، وقد يكون الخلاف في السجدة في موضعها: هل هو في هذه الآية أو التي قبلها، وقد يكون الخلاف في أحكامها الفقهية: هل تكون بطهارة أو بغير طهارة، وهل تكون بسلام أو بغير سلام، وسيأتي هذا وننبه أن الرسول كبر فسجد.