للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشيطان وعداوته للإنسان]

شيطان الجن الذي يزين لك كل قبيح، وهو الذي حادّ الملك، حادَّه ورفع عقيرته بخلافه، ولم يأبه به، فمن أنت؟ ما هي قيمتك، وأنت صيده الثمين؟ شيطان الجن، الله عز وجل ملكك أكتافه ونصرك عليه.

إذا قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ولى.

مهما كان مارداً عاتياً لا يقف ولا يثبُت.

فأنت بربك، وقوتك به، وإلا غلبت، ولو اجتمعوا عليك غلبوك يقيناً، فأنت عُذْ بالله لتنجو، فهل عرفتَه؟! إن دروب الحياة مهلكات، يتربص بك هذا الذي أظهر لك عداوته قبل أن يكون لك سن تقطع أو يد تبطش، أرأيتَ نذالة في عدو مثلما رأيت في الشيطان!! قال صلى الله عليه وآل وسلم: (ما من مولود يولد إلا يستهل صارخاً) كل ولد أول ما ينزل من بطن أمه يصرخ، لماذا يصرخ؟ مسه الشيطان، وكزه، طعن في خاصرته، وهو طفل ضعيف، ما له سنه تقطع، ولا يد تبطش، ولا يدري شيئاً.

مهلاً! يا عدو الله: لماذا تظهر عداوتك له من أول لحظة؟! وكزه، فلما وكزه صرخ، لهذا يبكي الولد إذا وُلِد.

(ما من مولود إلا يستهل صارخاً ذلك أن الشيطان مسه إلا مريم وابنها)، ذلك أن امرأة عمران قالت: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} [آل عمران:٣٥]، خالصاً، محرراً من أية مصلحة، لا أريد الولد ليحمل اسمي، لا أريد الولد ليرث أملاكي، لا أريد الولد ليكون بصري إذا فقدتُ البصر، أو عكازي إذا فقدت قوتي، لا أريد الولد إلا لك، {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} [آل عمران:٣٥] من أية مصلحة، هل فعل نساؤنا ذلك؟ هل خطر على بال الواحدة وهي تنظر إلى بطنها أن تقول ما قالت امرأة عمران، {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران:٣٥].

فلما أخلصت نيتها لله عز وجل امتن عليها بأربع نعم: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً} [آل عمران:٣٧].

قطرةٌ من فيض جودك تملأ الأرض رِيَّا ونظرةٌ بعين رضاك تجعل الكافر ولياً فكيف وقد تقبلها بقبول حسن؟! {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً} [آل عمران:٣٧]، تعاهدها منذ الصغر، {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران:٣٧]، موت الرجل من أعظم المصائب في حياة المرأة، وطلاق المرأة كسرها كما قال عليه الصلاة والسلام.

لا يحس بما أقول إلا المرأة التي مات زوجها وهي فقيرة وتنفق على أيتام لها، أو المرأة التي طلقها زوجها وضيَّعها أهلها.

معنى: {كَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران:٣٧]: صانها ورفع قدرها وجنبها عناء مصارعة الخلق في الحصول على الرزق.

وهذه نعمة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى امرأة لا تشكر زوجها).

لماذا؟ لأنه يكفلها، ينتزع رزقها ورزق أولادها من مئات الأيدي والأفواه، ثم يأتي براتبه فيضعه بين يديها، فهي لا ترى غيره، وهو يرى ألوفاً، منهم اللئام، ومنهم الكرام، هذا الراتب مجهود فَعَلَه الرجل، لذلك إذا جَحَدَت خير زوجها مقتها الله ولم ينظر إليها.

مريم مات أبوها الكفيل، فلم يُسْلِمْها ربها إلى الخلق، بل رزقها بغير حساب، وصان لها ماء وجهها.

لقد أنعم الله على مريم بهذه النعم الأربع لماذا؟ لأن أمها أحسنت بأن وهبتها لله {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران:٣٥]، ولذلك مريم وابنها عليهما السلام ما مسهما الشيطان.

إذاً: نأخذ من هذا الحديث أن الشيطان يعلمك بعداوته برغم أنك لا تعقل، يقول لك: تذكر عداوتي، أنا ما نسيتك، ولذلك قال الله عز وجل {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} [الكهف:٥٠]، أمعقول هذا الكلام؟! تتخذه ولياً وهو عدوك وتترك وليك الله الملك الحق فلا تواليه؟! {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} [الفرقان:٥٥].

فهذا عدو لدود ما هي خطتك في مواجهته؟!