للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الألباني ورحلته إلى بلاد الشام]

فكان من جملة فوائد الرحلة أنني سألته عن ترجمة لحياته، ولا أعلم أحداً سبقني إلى هذه الترجمة إلا الأخ محمد بن إبراهيم الشيباني، وهو أحد إخواننا من الكويت، وقد ألف في ذلك كتاباً وهو (حياة الألباني) ويقع في مجلدين، وهذا هو الذي سبقني في سؤال الشيخ الألباني ولكن لا أعلم أحداً سبقني في تسجيل حياة الشيخ رحمه الله بتوضيح، وهذه الترجمة موجودة في خمسة أشرطة.

فحياته رحمه الله -كما سردها لي- أنه ولد عام (١٩١٤م) أي: أن الشيخ الألباني رحمه الله توفي عن خمس وثمانين سنة.

قال: وكنا في ألبانيا، وكان الحاكم أحمد سوغو بدأ يفرض على الألبانيين (القبعة) بدلاً من العمامة، وكان يضايق النساء في لباسهن، وكان والد الشيخ الألباني رحمه الله شيخ الحنفية في بلده، وكان هو المفتي الذي يرجع إليه، فلما رأى والده هذا النذير -نذير الشؤم- بفرض (القبعة) بدلاً من العمامة، وهذا هو شأن العلماء النابهين، فالمسألة ليست مجرد عمامة أو قبعة كما يتصور بعض الناس الذين يهمشون المسائل الخطيرة، ويقولون: المهم القلب لا، فالعمامة مظهر إسلامي والدين الإسلامي أصيل، بينما القبعة من أزياء أعدائنا، والقبعة إنما توضع على الرأس، وأعلى ما في المرء رأسه، فأنت حين تضع شيئاً على رأسك فكأنما وضعت عنواناً، وأعلى ما فيك هو الرأس، فلا يرى الناس إلا (القبعة).

وهذه الغفلة قد سرت إلى بلادنا، وحتى في بعض الناس الذين يوصفون بالالتزام، فتجد ابنه يلبس (فنيلة) -مثلاً- عليها العلم الإمريكي، ويوضع العلم على صدر أبنائنا، وأنت تعلم أنه لا يوضع على الصدر إلا الوسام، فعندما أضع علم عدوي اللدود على صدر ابني، فكأنني أعطيته وساماً، أو يكون على ظهره، والولد يتحرك ليلاً ونهاراً وهو يرفع العلم الأمريكي مجاناً، ويصير لون العلم لوناً مستأنساً بالنسبة له، وليس غريباً، وهذا له تأثير خطير في مسألة الانتماء.

فالمسألة ليست مسألة قماش يوضع على الرأس وإنما هو رمز تحمله، وأنت ترى كل دولة لها علم يرفرف باسمها، تكون حريصة على أن يظل العلم مرفوعاً، وأكبر جريمة أن شخصاً يمسك هذا العلم وينظف به الحذاء؛ لأن هذا يدل على أنه ليست له قيمة عنده.

فلما رأى والد الشيخ الألباني هذا قرر أن يرحل إلى بلاد الشام لما كان قد قرأه من الأحاديث في فضائل الشام عامة وفي فضائل دمشق خاصة، فرحل إلى دمشق واستوطنها، وكان عمر الشيخ الألباني آنذاك تسع سنوات، ولم يكن يعرف عن العربية شيئاً، فبدأ تعليمه في جمعية اسمها (جمعية الابتعاث الخيري) وكان كما يقول: كأن الله عز وجل فطرني على محبة اللغة العربية، فتفوقت على أقراني من العرب السوريين من أول سنة، وقال: وأخذت الابتدائية في سنتين، وكان المدرس يعير الطلبة السوريين بي؛ لأنني رجل أعجمي، ومع ذلك أتقنت العربية خلال سنتين.

ولم يواصل الشيخ رحمه الله تعليمه فخرج من المدرسة، وكان أبوه يمارس مهنة تصليح الساعات، فلما خرج من المدرسة بدأ يعمل مع خال له، وكان نجاراً يصنع البيوت التي سقفها من الخشب على نحو ما هو موجود في باريس.

قال: فجئت ذات يوم مبكراً.

فقال: ما جاء بك؟ فقلت: لأعمل، فقال: هذه المهنة لا تصلح لك، تعال معي، وبدأ الشيخ ناصر الدين رحمه الله يعمل مع والده في تصليح الساعات، حتى برع فيها، وكان الشيخ رحمه الله يقول: إن مهنة تصليح الساعات علمتني الدقة.

وهو حقاً كان دقيقاً جداً، فعندما ذهبت إليه في بيته إلى (الفيلا) التي يسكن فيها في مازدا الجنوبية في الأردن، ودخلت الحديقة لمست أثر مهنته عليه.