للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد يحاسب ويغفر، وقد يحاسب ويعاقب، بالحديث الذي رواه عند هذه الآية قائلًا: حدثنا ابن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد بن هشام (ح) وحدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، حدثنا ابن هشام، قالا جميعًا في حديثهما، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، قال: بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر وهو يطوف، إذ عرض له رجل فقال: يا ابن عمر، ما سمعت رسول الله يقول في النجوى، قال: سمعت رسول الله يقول: "يدنو المؤمن من ربه ﷿ حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه، فيقول له: هل تعرف كذا؟ فيقول: ربِّ أعرف، مرتين، حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم، قال: فيعطى صحيفة حسناته أو كتابه بيمينه، وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الأشهاد: ﴿هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨] " (١). وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من طرق متعددة عن قتادة به (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أُمية، قالت: سألت عائشة عن هذه الآية ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ قالت: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله عنها، فقالت: هذه مبايعة الله العبد وما يصيبه من الحمى والنكبة، والبضاعة يضعها في يد كمه فيفقدها، فيفزع لها ثم يجدها في ضبنته حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر (٣). وكذا رواه الترمذي وابن جرير من طريق حماد بن سلمة به، وقال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديثه (٤).

(قلت): وشيخه علي بن جدعان ضعيف يغرب في رواياته، وهو يروي هذا الحديث عن امرأة أبيه، أُم محمد أُمية بنت عبد الله، عن عائشة، وليس لها عنها في الكتب سواه.

﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٨٦)﴾.

[ذكر الأحاديث الواردة في فضل هاتين الآيتين الكريمتين نفعنا الله بهما.]

(الحديث الأول): قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن، عن ابن مسعود، عن النبي ، قال: "من قرأ بالآيتين" وحدثنا أبو


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٢) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ … ﴾ [غافر: ٥١] (ح ٤٦٨٥)، وصحيح مسلم، التوبة، باب قبول توبة القاتل (ح ٢٧٦٨).
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفي سنده علي بن زيد بن جدعان: فيه مقال، كما ذكر الحافظ ابن كثير.
(٤) السنن، التفسير (ح ٢٩٩١).