للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نزلت على رسول الله ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)﴾ قال جبريل: إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه، فسأل ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا … ﴾ إلى آخر هذه الآية (١).

وقوله: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ أي: لا يكلف أحدًا فوق طاقته، وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم، وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة في قوله: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] أي: هو وإن حاسب وسأل، لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه، فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها، فهذا لا يكلف به الإنسان، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان، وقوله: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ أي: من خير ﴿وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ أي: من شر، وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف. ثم قال تعالى مرشدًا عباده إلى سم إله، وقد تكفّل لهم بالإحابة كما أرشدهم وعلمهم أن يقولوا: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ أي: إن تركنا فرضًا على جهة النسيان، أو فعلنا حرامًا كذلك، أو أخطأنا؛ أي الصواب في العمل جهلًا منا بوجهه الشرعي. وقد تقدم في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، قال: "قال الله: نعم" ولحديث ابن عباس، قال الله: "قد فعلت". وروى ابن ماجه في سننه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي عمرو الأوزاعي، عن عطاء. قال ابن ماجه في روايته: عن ابن عباس، وقال الطبراني وابن حبان: عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : "إن الله وضع عن أُمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (٢). وقد روي من طريق آخر وأعله أحمد وأبو حاتم (٣)، والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا أبو بكر الهذلي، عن شهر، عن أُم الدرداء، عن النبي ، قال: "إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث: عن الخطأ والنسيان، والاستكراه" قال أبو بكر: فذكرت ذلك للحسن، فقال: أجل، أما تقرأ بذلك قرآنًا ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ (٤).

وقوله: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ أي: لا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها كما شرعته للأُمم الماضية قبلنا من الأغلال والآصار التي كانت عليهم، التي بعثت نبيك محمدًا ، نبي الرحمة بوضعه في شرعه الذي أرسلته به من الدين الحنيفي السهل السمح، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن رسول الله ، قال:


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق جرير به، وسنده مرسل لأن حكيم بن جابر تابعي.
(٢) سنن ابن ماجه، الطلاق، باب طلاق المكره والناسي (ح ٢٠٤٥)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ١٦٦٤).
(٣) أعلّه ابن أبي حاتم بأن الأوزاعي لم يسمع هذا الحديث من عطاء (العلل ١/ ٤٣١ ح ١٢٩٦).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفي سنده أبو بكر الهذلي: متروك، كما في التقريب، وأم الدرداء تابعية، ويشهد له سابقه.