للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس، والله أعلم.

وأما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل، أو [١] اللبن والخمر، أو اللبن والماء، أو الجمبع فقد ورد أنه في البيت المقدس، وجاء أنه في السماء، ويحتمل أن يكون ها هنا وههنا لأنه كالضيافة للقادم، والله أعلم.

ثم اختلف الناس: هل كان الإسراء ببدنه وروحه [٢]، أو بروحه فقط؟ على قولين: فالأكثرون من العلماء علي أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا منامًا، ولا ينكر أن يكون رسول الله رأى قبل ذلك منامًا؛ ثم [٣] رآه بعد [٤] يقظة؛ لأنه [ كان] لا يرى رؤيا إلا جاءت [مثل فلق] [٥] الصبح، والدليل علي هذا قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، ولو كان منامًا لم يكن فيه كبير شيء، ولم يكن مستعظمًا، ولَما بادرت كفار قريش إلي تكذيبه، ولَما ارتد جماعة ممن كان قد أسلم، وأيضًا فإن العبد عبارة عن مجموع الروع والجسد وقد قال: ﴿أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيلًا﴾. وقد قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَينَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها رسول الله . رواه البخاري (٥٩). وقال تعالى: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ والبصر من آلات الذات لا الروح، وأيضًا فإنه حمل علي البراق، وهو دابة بيضاء، برّاقة لها لمعان، وإنما يكون هذا للبدن لا للروح؛ لأنها لا تحتاج في حركتها إلي مركب تركب عليه، والله أعلم.

وقال آخرون: بل [٦] أُسري برسول الله بروحه لا بجسده، قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة (٦٠): حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أن معاوية بن أبي سفيان كان إذا سئل عن مسرى رسول الله قال: كانت رؤيا من الله صادقة.


(٥٩) - أخرجه البخاري في صحيحه -كتاب التفسير، باب: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَينَاكَ إلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ (٤٧١٦) (٨/ ٣٩٨) حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس فذكره.
(٦٠) - ذكره ابن هشام في سيرته (٢/ ٤٢٤). وأخرجه ابن جرير في تفسيره (١٥/ ١٦) حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة عن محمد بن إسحاق به.