للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال في قوله: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ قال: إلي بيت المقدس.

وهذا -والله أعلم- يرجع إلي قول من فسر ذلك بيوم القيامة؛ لأن بيت المقدس هو أرض المحشر والمنشر، والله الموفق للصواب.

ووجه الجمع بين هذه الأقوال أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوعه إلي مكة، وهو الفتح الذي هو [١]- عند ابن عباس أمارة على اقتراب أجله كما فسره ابن عباس بسورة: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)﴾: أنه أجَلُ رسول الله نُعي إليه، وكان ذلك بحضرة عمر بن الخطاب ووافقه عمر علي ذلك، وقال: لا أعلم منها غير الذي تعلم. ولهذا فسر ابن عباس تارة أخرى قوله: ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ بالموت، وتارة بيوم القيامة الذي هو بعد الموت، وتارة بالجنة التي هي جزاؤه ومصيره علي أداء رسالة الله، وإبلاغها إلي الثقلين الجن والإِنس، ولأنه أكمل خلق الله، وأفصح خلق الله، وأشرف خلق الله علي الإِطلاق.

وقوله: ﴿قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٨٥)﴾ أي: قل لمن خالفك وكذبك [٢]، محمد من قومك من المشركين ومن تبعهم علي كفرهم- قل: ربي أعلم بالمهتدي منكم ومني، وستعلمون لمن تكون عاقبة الدار، ولمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة.

ثم قال تعالى مذكرًا لنبيه نعمته العظيمة عليه وعبي العباد إذ أرسله إليهم: ﴿وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيكَ الْكِتَابُ﴾ أي: ما كنت تظن قبل إنزال الوحي إليك أن الوحي ينزل عليك، ﴿وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾، أي: إنما نزل عليك الوحي من الله من رحمته بك وبالعباد بسببك، فإذا [٣] منحك هذه النعمة العظيمة ﴿فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا﴾، أي: معينًا ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾، ولكن فارقهم ونابذهم وخالفهم.

﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيكَ﴾ أي: لا تتأثر لمخالفتهم لك وصدهم الناس عن طريقك، و [٤] لا تلوي علي ذلك ولا تباله؛ فإن الله معُلِ [٥] كلمتك، ومؤيد [٦] دينك، ومظهر ما أرسلت به على سائر الأديان، ولهذا قال: ﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ﴾، أي: إلي عبادة ربك وحده لا شريك له، ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

وقوله: ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إلا هُوَ﴾ أي: لا تليق العبادة إلا له، ولا تنبغي


[١]- سقط من: ز، خ.
[٢]- في ز، خ: "كذلك".
[٣]- في ت: "فإذا".
[٤]- سقط من: ز، خ.
[٥]- في ز، خ: "معك".
[٦]- في ز، خ: "مؤبدك".