للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإلهية إلا لعظمته.

وقوله: ﴿كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ﴾ إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم الذي تموت الخلائق ولا يموت؛ كما قال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ فعبر بالوجه عن الذات، وهكذا قوله هاهنا: ﴿كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ﴾ أي: إلا إياه وقد ثبت في الصحيح، من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "أصدق كلمة قالها الشاعر [١] كلمة لبيد:

ألا كُلُّ شيءٍ ما خلا اللهُ باطلُ (٤٤)

قال مجاهد والثوري في قوله: ﴿كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ﴾ أي: إلا ما أريد به وجهه وحكاه البخاري في صحيحه كالمقرِّر له.

قال ابن جرير: ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر.

أستغفرُ اللهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ … رَبّ العبَاد، إلَيه الوَجْهُ والعَمَلُ

وهذا القول لا ينافي القول الأول، فإن هذا إخبار عن كل الأعمال بأنها باطلة إلا ما أريد بها وجه الله ﷿ من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة. والقول الأول مقتضاه أن كل الذوات فانية وهالكة وزائلة إلا ذاته -تعالى- فإنه الأول و [٢] الآخر الذي هو قبل كل شيء وبعد كل شيء.

قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب "التفكر والاعتبار": حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بكر، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا عمرو بن سليم الباهلي، حدثنا أبو الوليد، قال: كان ابن عمر إذا أراد أن يتعاهد قلبه، يأتي الخربة فيقف علي بابها، فينادي بصوت حزين فيقول: أين أهلُكِ؟ ثم يرجع إلي نفسه فيقول: ﴿كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ﴾.

وقوله: ﴿له الحكم﴾، أي: الملك والتصرف ولا معقب لحكمه ﴿وإليه ترجعون﴾.

أي: يوم معادكم فيجزيكم بأعمالكم إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر.

* * *


(٤٤) صحيح البخاري برقم (٣٨٤١)، وصحيح مسلم برقم (٢٢٥٦).