للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تصدير]

الحَمْدُ لله أَرْحَمِ الرَّاحِمِين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على المَبْعُوثِ رَحْمَةً للعالمين.

يَطوي الزَّمَانُ الكثير ممَّا يَقُومُ به النَّاسُ في حَيَاتِهم من أعْمَالٍ وإنجازاتٍ. فالحَيَاةُ الإِنْسَانِية تتقدَّم نحو الأمام، إِذْ يَبني كل جيلٍ على آثارِ أسلافه، ويَدْفَعُ بالمُنْجَزاتِ البَشَرية قُدُمًا في حَرَكَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ تَحْتَفِظُ بما هو نافعٌ، وتُضيفُ إليه وتَزيدُ عليه، في حَرَكَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ وتَقَدُّمٍ مُطَّرِد. ومن جراء هذه الحَرَكَة الدَّائِبَة أَنَّ ما قد يُعَدُّ في يوم من الأيَّامِ إِنْجَازًا كبيرًا، ووَسِيلَة رَاحَةٍ ورَفَاهِية لبني الإنْسَان، يُصْبِح ولا أحَد يَحْفِل به، إذ تُبْدِع العُقُولُ البَشَرية أَشْيَاءَ جَديدَة تَتَجَاوَزُ ما كان يَسْتَحْوِذُ الاهْتِمَام، وما كان مَوْضِعَ تَفَاخُرٍ واعْتِزَازٍ.

غير أنَّ سَبِيلَ الفكر الإنساني ونتاجَه يتَّخذ طريقا آخَرَ، هو طريق التطوير والتَّحْسِين. يأخُذُ الخَلَفُ ما قَدَّمَه السَّلَفُ، فيَبْنُون عليه ويُطَوِّرُونَه، ثم يَرْتَقُون به ليَرْتَقي بهم في مَدَارِج المَعْرِفَة وآفَاقِ الحَيَاة. لذلك تزهو الأمَمُ بمُفَكِّريها وأدبائها، وشُعَرَائها، وفَلاسِفَتها، وعُلَمَائِها وفنانيها. ويظلُّ رِجال الفكر في القِمَّة بين أعلام الأمم ورجالاتها. ويَدُورُ الزَّمانُ فيَطوي ذكر الأباطِرَة والمُلُوك فلا يبقى منهم إلا فَقَرَاتٌ قَليلَةٌ في سجل التاريخ، بينما يظلّ النَّاسُ يُطالعون أَعْمَالَ رِجَال الفكر، ويأنسون بهم. فالتُّراثُ الحَقِيقي هو التُّرَاثُ الفِكْري، وغِنَى الأمم إنَّما هو بما تُقَدِّمه للبَشَرِيَّة من فكر.

ج: ص:  >  >>