للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمَّا تُوفِّي دُفِنَ في البِنَاءِ الذي يُعْرَفُ بمَدِينَة مِصْر بأبي هِرْمِس، وتَعْرِفُه العَامَّةُ بالهَرَمَيْن، فإنَّ أحَدَهُما قَبْرُهُ والآخَرَ قَبْرُ زَوْجَتِه، وقيل قَبْرُ ابْنِه الذي خَلَفَهُ بعد مَوْتِه (١).

حِكَايَةٌ في الهَرَمَيْن، والله أعْلَم

قَرَأْتُ في كِتَابٍ وَقَعَ إِليّ، يَحْتَوي على قِطْعَةٍ من "أَخْبَارِ الأَرْضِ وعَجَائِب ما عليها و<ما> فيها من الأبْنِية والمَمَالِك وأجْنَاسِ الأمَم"، مَنْسُوبًا إلى بعضِ آل ثَوَابَة (٢). قال: أَخْبَرَني أحمد محمَّد الأشْمُوني، أَنَّ بَعْضَ وُلاة مصر أحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ مَا علي قُلَّةِ أحَدِ الهَرَمَيْن، واشْرَأبَّت نَفْسُه إلى ذلك. فتَوَصَّل إليه بكلِّ حِيلَةٍ حتى وَقَعَ إليه رَجُلٌ من أرْضِ الهنْد، فبذَلَ له الصُّعُودَ إلى رَأْسِها برَغْبَةٍ أَرْغَبَهُ فيها. قال: وإِنَّما يَعْجِزُ الإِنْسَانُ عن الصُّعُودِ لما يَلْحَقُهُ عند تَرَقِّيه وتَسَلُّقِه، من هَيَجَانِ المَرَار، والجَزَعِ عند نَظَره إلى ما بَيْن يَدَيْهِ.

قال: وهذه البِنْيَةُ طُولُها بالذِّراع الهَاشِمِيَّة أرْبع مائة ذِرَاع وثمانُون ذِرَاعًا، على مِسَاحَةِ أربع مائة وثَمانين ذِرَاعًا، ثم يَنْخِرطُ البِنَاءُ، فإِذا حَصَلَ الإِنْسَانُ في رَأْسِه، كان مِقْدَارُ سَطْحِه أرْبعين ذِرَاعًا في أربعين ذِرَاعًا، هذا بالهَنْدَسَة (٣). فأمَّا الرَّجُلُ الذي صَعِدَ فَذَكَرَ عند نُزُولِه، أنَّه رَأَى القُلَّةَ فكانت مِقْدَارَ مَبْرَكِ عِشْرِينَ بُخْتِيًّا من الجِمَال. قال: وكان على وَسَطِ هذا السَّطْح قُبَّةٌ لَطِيفَةٌ، في وَسَطِها شَبِيهٌ بالقَبْر. وعند رَأسِ ذلك القَبْرِ صَخْرَتَان في نِهَايَة النَّظَافَةِ، في الحُسْنِ وكَثْرَةِ التَّلَوُّن، وعلى كلِّ وَاحِدَة منهما شَخْصٌ من حِجَارَة، صُورَةُ ذَكَرٍ وأَنْثَى وقد تَقَابَلا بِوَجْهَيْهِما،


(١) المقريزي: المواعظ والاعتبار ٣٠٩:١ عن النَّديم.
(٢) انظر عن آل ثَوَابة، فيما تقدم ١: ٤٠١ - ٤٠٢.
(٣) المقريزي: المواعظ والاعتبار ٣١٠:١ (عن النَّديم).