للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإن ليُولْيَانُس سَارَ إِلى أَرْضِ العَجَم حتى بَلَغَ جُنْدَيْسَابُور، وبها إلى وَقْتِنَا هذا ثُلْمَةٌ يُقَالُ لها ثُلْمَةُ الرُّوم، فحَضَرَ رُؤَسَاءُ الأعَاجِم والأسَاوِرَةُ وبَقَايَا حَفَظَة المُلْك. وأطَالَ المُقامَ عليها (١) واسْتَصْعَبَ عليه فَتْحُها. وكان سَابُور مَحْبُوسًا في بَلَدِ الرُّوم في قَصْرِ ليولْيانُس، فعَشِقَتْه ابْنَتُه فخَلَّصَتْه، فطَوَى البِلادَ مُخْتَفِيًا إِلَى أَنْ وَصَلَ إلى جُنْدَيْسَابُور فدَخَلَها، وقَوِيَت نُفُوسُ مَنْ بها من أصْحَابِه، وخَرَجُوا من دُورِهِم فأَوْقَعُوا بالرُّومِ تَفَاؤلًا بخَلَاصِ سَابُورٍ، فَأَسَرَ ليولْيَانُس فقَتَلَه.

واخْتَلَفَت الرُّومُ، وكان قُسْطَنْطِينُ الأَكْبَر في جُمْلَة العَسْكَر، واخْتَلَفَت الرُّومُ فيمن يُوَلُّونه، وضَعُفُوا عن مُقَاوَمَتِه. وكان لسَابُور عِنَايَةٌ بِقُسْطَنْطِين، فوَلَّاه على الرُّوم، ومَنَّ عليهم بسَبَبِه وجَعَلَ لهم طَرِيقًا إلى الخُرُوج عن بِلادِه، بعد أنْ شَرَطَ على قُسْطَنْطِين أَنْ يَغْرِسَ بِإِزَاءِ كُلِّ نَخْلَةٍ قُطِعَت من أَرْضِ السَّوَاد وبلادِه شَجَرَةَ زَيْتُون، وأنْ يُنْفِذ إليه من بِلادِ الرُّوم من يَبْني ما هَدَمَه ليولْيانُس بعد أنْ يَنْقِل الآلة من بِلادِ الرُّوم. فوَفَّى له وعَادَت النَّصْرَانِيَّةُ إلى حَالِها. فَعَادَ المَنْعُ من كُتُبِ الفَلْسَفَة وخَزْنُها، إلى ما كان عليه إلى الآن.

وقد كانت الفُرْسُ نَقَلَت في القديم شَيْئًا من كُتُبِ المَنطِق والطِّبّ إلى اللُّغَة الفَارِسِيَّة، فنَقَلَ ذلك إلى العَرَبي عبدُ الله بن المُقَفَّع وغيره.

حكايَةٌ أُخْرَى

كان خَالِدُ بن يَزِيد بن مُعَاوِيَة يُسَمَّى حَكِيمٌ آلِ مَرْوَان، وكان فَاضِلًا في نَفْسِه وله هِمَّةٌ ومَحَبَّةٌ للعُلُوم. خَطَرَ ببَالِهِ الصَّنْعَةُ فَأَمَرَ بِإِحْضَارِ جَمَاعَةٍ مِن فَلاسِفَةِ اليُونَانِيين ممَّن كان يَنْزِل مَدِينَة مِصْر وقد تَفَصَّحَ بالعَرَبِيَّة، وأمَرَهُم بِنَقْلِ الكُتُبِ فِي الصَّنْعَة من اللِّسَانِ اليُونَانِيّ والقِبْطِي إلى العَرَبي، وهذا أَوَّلُ نَقْل كان في الإِسْلام من لُغَةٍ إلى لُغَة (٢).


(١) يُوجَدُ هنا سَقْطٌ في نُسْخَة لَيْدَن مقدار وَرَقَة.
(٢) انظر بتفصيلٍ أكثر، فيما يلي ٤٤٨.